هوم سكولينج homeschooling – قصة حقيقيةPosted by on


 

 

أولادي والمدرسة….

أولادي والمدرسة والتجربة المريرة والفريدة…هذه قصتي الحقيقية مع أولادي كتبتها لكل من يكره أولاده المدرسة بدأت حكايتي مع المدرسة كما تبدأ حكاية كل أم وصل أطفالها لسن الرابعة والخامسة، فانتظرت انتهاء العطلة الصيفية وافتتاح المدارس، ثم ألبستهم ملابسهم، وأخذتهم من أيديهم، وضعتهم في صفوفهم، وقضيت جزءاً من اليوم الأول معهم، ثم رجعت إلى البيت وأنا أشعر بالسعادة، لأني سوف أنعم ببعض الهدوء والراحة! وظننت أولادي سيحبون المدرسة ويسعدون بصحبة الصغار، ويتمتعون باللعب واللهو مع أقرانهم. فجاؤوني ظهراً يبكون ويشكون، وقالوا: “يا أمنا إنا وجدنا المدرسة كابوساً، وإنا لا نريدها أبداً، فأخرجينا منها!” فما وجدت كلامهم مقنعاً، ولم أُقدّر شكواهم، وقلت سيتعودون…

ولكن أيام المدرسة كانت مريرة وصعبة على أولادي وعليّ؛ ضرب وعقوبات عشوائية وقسوة مفرطة وكلمات بذيئة من الأساتذة والطلاب، والأساتذة لاهون عن فض اشتباكات الطلاب. جربت الإتصال بالإدارة وتفعيل التعاون بين البيت والمدرسة، فما استفدت شيئاً. وجربت نقل أولادي من مدرسة إلى مدرسة؛ فما لقيت أي فرق (سواء بالاهتمام بالطلاب، أو في مستوى العلم والتحصيل) وإن أكثر الأساتذة ليسوا على المستوى المطلوب. و بعد تجربة طولها عشر سنوات وفي أفخر مدارس البلدة التي أقيم بها، وجدت المدارس كلها سواء -حين قارنت بين مزاياها وبين عيوبها- وإن الذي يختلف من مدرسة إلى مدرسة هو بيئة الطلاب. فأصبح أكبر همي توفير بيئة صالحة، لأحافظ على خلق الأولاد. ولم نكد نتخلص من المدرسة ويصل أولادي للجامعة، حتى جاء دور إخوتهم الصغار ثلاثة صبيان بلغوا سن السادسة واحداً تلو الآخر.

وآليت على نفسي ألا أكرر تجربتي الفاشلة، وأتدارك كل الأخطاء, و لكن سرعان ما بدأت المأساة التالية؛ وحصلت على نفس النتيجة، من homeschooling2اليوم الأول لكل واحد منهم في المدرسة: الكره والنفور!؟ ثم تطور الوضع عندهم لشعور بالغربة والمرارة والمعاناة النفسية. وتفاقمت مشاعرهم السلبية وزادت المشكلات، فصرت أعفي أولادي من الدوام يوماً من كل أسبوع، ثم حدثته إلى يومين…ثم تطور الأمر إلى غياب ثلاثة أيام في الأسبوع! وأعفيتهم من أكثر وظائف المدرسة، ولم أبال سوى بالأساسيات، كالجمع والطرح وجداول الضرب، والعربية وبعض المعلومات. وتركتهم يلعبون طول النهار ويتمتعون، ورغم ذلك لم أنجح في تحبيبهم بالمدرسة، وحمايتهم من المعاناة!

وبدأت أشك بأبنائي! فكل الأولاد يذهبون للمدرسة ويصبرون عليها، فلم كل هذا التذمر والسخط؟! ولكني علمت أن أكثر الطلاب يكرهون المدرسة مثل أولادي، وأهلهم يمتنعون عن الاستجابة لإعتراضاتهم، ويجبرونهم عليها لأنها الطريق الوحيد للحصول على الشهادة. والمشكلة أن الوضع ازداد سوءاً وبدأ ابني الصغير يعاني من عقدة نفسية واضحة تجلت في قلقه وسهره، وبكائه، ورفضه الذهاب إلى المدرسة، وشعرت بخوف حقيقي على نفسيته. وأصبح حلم حياة ابنائي ترك الدوام المدرسي نهائياً. تعاطفت معهم وأعجبني اقتراحهم، فتفكرت بالأمر، و جربت الاتصال بوزارة التربية فرد علي رجل محترم، قال: إن قوانين المملكة تسمح بالدراسة من البيت بعد انتهاء المرحلة الابتدائية, فشكرته وهذا ما كان. وليس في تجربتي أي فرق عن الدراسة النظامية، سوى في الامتناع عن الدوام اليومي، والجلوس في البيت.

استرحت بعد الاطلاع على التفاصيل، واتخذت قراري النهائي، وكنت جريئة وحاسمة وسريعة في تنفيذه، فسحبت أولادي من المدارس النظامية نهائياً، ونقلتهم إلى “المنازل”، وفي الشام اسمها “دراسة حرة”. وصاروا يذهبون إلى المدرسة في العام مرتين؛ منتصفه وآخره، فيقدمون الإمتحان ويرجعون. ولقد مرت على تجربتي ست سنوات، ولن أحلف لكم أن التجربة نجحت نجاهاً باهراً. بدأت تجربتي عام 2007 واستمرت حتى اليوم فأصغر أبنائي بكالوريا هذا العام. ست سنوات وأولادي معي في البيت نتشارك في كل شيء وأعيش معهم حياة أسرية دافئة، وقد ارتحت من أعباء كبيرة كانت تأخذ وقتي وطاقتي ومالها أي قيمة مثل:

  • غسيل الأثواب وكيها و إزالة بقع الحبر والطعام منها.
  • النزول للسوق لشراء لوازم المدرسة من ملابس وأبواط وشنط وقرطاسية.
  • وقتاً كنت أقضيه في تجليد الكتب والدفاتر وكتابة الأسماء عليها.
  • استرحت من المتابعة مع المدرسة حول وضع الأولاد ومشكلاتهم، ومن الكلام على الهاتف في محاولة لإقناع الأساتذة ببعض الأفكار البناءة.
  • ومن أعباء أخرى… لقد وفرت المال والجهد والطاقة.

 

وإذا أخذتم هذا على محمل الطرافة، فإن صغاري استفادوا فائدة عميقة وحقيقية من بقائهم بالمنزل، إذ استقرت نفسياتهم وقويت علاقاتهم، ونموا مواهبهم، وتعلموا أشياء كثيرة في الدين والخلق والآداب والأولويات، وتعلموا الكمبيوتر واللغة والثقافة العامة وفنون الحياة… كان من الصعب أن يتعلموها لو تُركوا ليضيعوا وقتهم في المدرسة! ونهاية القصة أن علاماتهم جيدة ونفسياتهم رائعة وشخصياتهم مميزة، وقد تعلموا أشياء كثير على النت، وأتقنوا اللغة الأجنبية…

أصغرهم (عباد 17 سنة) بكالوريا، وصار اليوم أصغر محرر في موسوعة ويكيبيديا العربية ومن أكثرهم نشاطا، وحصل على عدة منح للسفر إلى مؤتمرات ويكيبيدية. والآخران بالجامعة، وعملا شريكين في مشروع برمجة لعبة إلكترونية من مستوى رفيع، وما كان لهذه المواهب والقدرات إلا أن تقضي عليها المدرسة لو أنهم سلكوا طريقها المألوف وحرموا أنفسهم من محاسن هذه التجربة.

ولا أنكر أنه صادفتني بعض المعوقات، إذ حين علم أقربائي بأمري وأولهم أمي وأخواتي، حذرني الجميع من عواقب قراري، وأنذروني من مغبته، واجتمع الناس علي، بين ناصح ومحذر وناه… وقالوا ستندمين لأن:

  1. البكور والسماع من الأستاذ أفضل وأثبت للتعلم.
  2. الشهادة مع حضور أوثق للمستقبل العلمي أمام الجامعات.

سمعت كل ما قالوه وفكرت به ملياً ثم قلت:

  • أما التعليم: كيف سيفهم ابني الدرس وهو نعسان، والملل والحزن يسيطران عليه؟ وأي سماع؟ وأي أساتذة؟ ولا تنسوا أن كثيراً من الأساتذة لا يجيدون الشرح، ولم تعد المدرسة ذلك المكان الذي يُخرج المثقفين والفاهمين، لقد أصبحت معاول هدم تستخدمها الأنظمة العميلة لتخريج أجيال من المسلمين العرب متخلفين معطلي المواهب محدودي الأفكار, ليس لديهم نضج اجتماعي ولا عاطفي ولا علمي, وتفسد معلوماتهم وقيمهم وفطرتهم وأخلاقهم.

 

  • إن الدراسة من البيت لم تعد أمرا غريبا وإنها معروفة بأمريكا وكندا، والعالم الحديث يشجعها وتنتشر وتزداد وأكثر الذين يدرسون في البيت دراسة حرة يحصلون على معدلات جيدة جداً تؤهلهم للجامعة. و إن تحبيب الأولاد بالعلم أفضل من فرضه عليهم لأجل الشهادة، وإن إيجاد الحافز لديهم -سواء ذهب إلى المدرسة أم بقي في البيت- خير من شغله بالتفوق والحفظ.

 

  • و أما عن قيمة الشهادة فلا أمل لنا بالجامعات الحكومية في كل الأحوال، والجامعات الخاصة تتقبل أي شهادة تختمها الوزارات الداخلية والخارجية وتصدقها. وأما عار “الشهادة الحرة” فسوف تغسله شهادة الجامعة

 

  • وقال لي الناس: “ليست المدرسة بيئة علمية فقط، إنها بيئة اجتماعية والمدارس ليست دوراً للتعليم، وإنما للتربية والتأهيل واكتساب المهارات وتبادل التجارب والخبرات، وبقاء الصغار بالبيت يحرمهم من هذه المزايا. فكان أول ما قلته لهم: أولادي أخذوا من المدرسة خيرها ولم يتبق لهم سوى شرها! فقد وصلوا لسن حرج وبدأ الأصدقاء يغرونهم بالصور والمواقع والأرقام، فعلام أنتظر؟ وإن من الأسباب الرئيسية التي دفعتني لإخراج أولادي من المدرسة حمايتهم من توابع النواحي الاجتماعية تلك!و لكن عزل الطفل عن المدرسة لا يعني حرمانه من الحياة الاجتماعية، وإنما انتقاء المجتمع المناسب له، والذي يتوفر ضمن العائلة ومحيطها، وهي أكثر انسجاماً مع مقاييسنا التربوية وخاضعة لرقابتنا. وهناك مجالات متنوعة للتواصل الاجتماعي والاحتكاك بالناس، وإقامة بعض النشاطات مع أطفال الأقارب والأصدقاء والجيران، ومع كبار العائلة، كما أن الرحلات الجماعية والمخيمات والملاهي والمسابح، والدورات السريعة، والزيارات العلمية لمكتبات وحضور الندوات والمعارض… كفيل بحل هذه المشكلة.

بقاء صغاري في البيت أراح بالي وطمأن قلبي، وقد أصبح أولادي في بيئة آمنة فكرياً وخلقياً وكما أشتهي وأرضى. وتوطدت علاقتي بهم، ووجدنا وقتا إضافياً لنخرج ونمارس بعض النشاطات العلمية المفيدة ونزور المكتبات والمعارض، ولنتكلم ونحكي القصص ونجري بعض التجارب، وليمارسوا هواياتهم، ويتعلموا أشياء خارج المنهج المدرسي مما يفيد ويوسع الأفق. وفيما حسب الناس أني ضيعت أولادي، وجدت أني استرجعتهم، وأن حياتنا أصبحت أجمل وأسلس، وأقوى. وحصلت على أبناء ناجحين وبارين، ولقد شعر كل من عرفهم أو تعامل معهم أنهم شخصيات سوية ومشبعة بالعاطفة، ولديهامن التعقل والحكمة ما يجعلها مقبولة في المجتمع ومحبوبة، وقادرة على تجاوز الصعاب.

وإني وبعد ست سنوات كتبت تجربتي، وأخرجتها للناس، فاستغربوا وسألوني: “كم من مدرس خصوصي احتجت؟ وكم من وقتك أنفقت؟ مقابل بقاء أولادك في البيت؟ وإن المربين مختلفون ولا يمكنك تعميم التجربة”، وهذا جوابي: إن مما يزيد تواكل هذا الجيل وتأخر نضجه؛ حرص المربين الدائم على رعايته، وتأمين كل احتياجاته، وتوفير وسائل اللهو والترفيه له، وإعفائه من واجباته، وإن أولادي لما كرهوا المدرسة ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف، آليت على نفسي ترك المسؤولية كلها عليهم…نعم! جعلتها فرصة ليتحملوا المسؤولية، ويدرسوا ويتعلموا قراءة الكتب وفهمها وحدهم، ويتجاوزوا الصعوبات الدراسية، ويجربوا فهم المناهج، ولم أستخدم أي وسيلة إيضاح، ولم أنظم الوقت! وتركت لهم اختيار وقت الدراسة والطريقة فهل تصدقون أني لم أستعن بأي أستاذ خصوصي؟! ولم أقض وقتي في تعقب أولادي وملاحقتهم، بل تركتهم يفعلون ما يشاؤون ويلعبون ويلهون، واكتفيت بتوجيههم من بعيد “لاستثمار وقتهم”، وأتيت لهم بما يفيد من الكتب والمواد ليمارسوا هواياتهم. فلما أَزِفَ موعد الامتحان استعدوا له شهراً واحداً، وسألوني بضعة أسئلة أعانتهم على الفهم، ثم دخلوه فكانوا من الناجحين. وكانت معدلاتهم 88% تزيد أو تنقص، وكنت راضية بهذا لأني لست من الذين يقدسون الدراسة أو يرنون إلى التفوق، ولم يكن أولادي من الذي يحبون دراسة الطب أو الهندسة، ولا شك أن هذا ساهم في نجاح تجربتي.

وستسألون: كيف؟ وماذا صنعت؟ والجواب: هددتهم بشيء واحد فقط “أي تقصير من طرفكم يعني فشل التجربة وإعادتكم إلى المدرسة!”. فكان هذا التهديد -وحده- خطيراً ومخيفاً ورادعاً. وسألوني عن ضبط الوضع والتنظيم، ولم أجد حاجة له، وقد ربيت أولادي على تحمل المسؤولية بمعناها الواسع، فكانت الدراسة جزءاً منها فتحملوها تلقائياً. وإن الخطة التي اتبعتها أني وثقت بنفسي ووثقت بأولادي، واسترخيت تماماً، صدقوني لم أفعل أكثر من هذا، والقضية ليست معقدة ولا صعبة، ومن وجد صعوبة فإن القنوات التعليمية والملخصات كفيلة بسد أي ثغرة. وبالمناسبة فإن بعض المدارس تسمح لطالب المنازل بالدوام والاستفسار في آخر أسبوعين قبل الامتحانات. على أني أقر بأن المدارس ليست واحدة في مستواها العلمي والخلقي، وكذلك قدرات الأبناء والآباء، ومن كان ولده بخير فعلام يضعه بالمنازل؟! وإنما طرحت فكرتي كمخرج لمن كره أولاده المدرسة، أو لمن أصبحت سيئاتها أكثر من حسناتها، أو لمن يراها كابوساً وفترة سيئة من حياته أو للمُهجّرين….

وسألوني عن السلبيات؟ فقلت: “لم أشعر بشيء منها!”؛ بل كنت أطمئن كل يوم، وتزيد الأسباب غير المباشرة في اطمئناني وثقتي؛ فحرارة الجو وازدحام المواصلات وحوادث السيارات تقلقني، وحين يكون الصغار بالبيت أشعر بالراحة والسعادة. وأكثر ما كان يطمئنني رؤية الأمهات وهن يبذلن جهدهن ويُدَرسن أولادهن (الذين يواظبون على الدوام) في حين لا أحتاج أنا لتدرّيس أولادي! وأرى الأمهات تشتكي التقصير والإهمال وأولادي على خير حال. وإني فخورة جداً بهذه الفكرة المثمرة، وبالنتائج التي خرجت بها، وهذا فضل من الله… وأؤكد لكم أنها تجربة رائعة !

عابدة مؤيد العظم

 

تعليم أولادك

اترك تعليقاً