كتبت نور الهدى المصطفى:
أتصدقين؟.. لا أحد يعيش حياة سعيدة!.. ما من أحد سعيد بما يملك!.. الكل يودّ لو أنه يملك نصف ما يملك غيره!.. لو أنك أهديتِ صديقتين لك هديتين مختلفتين، لنظرت إحداهما إلى الأخرى بعين الغيرة!.. وإليك بعين اللوم!.. لأنها تريد ما تملك الأخرى.. وإن حصلت على ما أرادت، لتمنت الأفضل والأفضل!..
أتعلمين؟.. كلّنا نملك هموماً متفاوتة.. لا تصدقي بأن أحدًا يملك حياة مستقرة بشكل مطلق، جميعنا مهموم، جميعنا نصاب بحالات الاكتئاب والتعاسة بين الحين والآخر.. كلٌ لديه مشاكله التي يظن أنه وحيد بامتلاكها!..
أتذكرين؟.. كلماتٌ وشعاراتٌ مختلفة، سمعناها منذ صغرنا عن إرادتنا بتحقيق السعادة الذاتية.. اصنعي سعادتك بنفسك!.. حياتكِ من صنع أفكارك!.. بإرادتكِ أن تخرجي من حالة الإحباط تلك!.. لا تدعي أحداً يؤثر على حالتك النفسية!..
أأعترف لك؟.. كلماتي هذه تصِفُني!.. حقًا إنني أشبِهُك!.. حقًا لقد وصلتُ إلى حالات نفسية سيئة.. مثلك تمامًا.. عجزتُ عن إخراج نفسي من قوقعة الحزن لفترة طويلة.. وقفتُ أمام شبح تحديات الحياة واجمةً مذهَلة.. لا أعلم حلًا لما قد آلت إليه أموري!..
أأعترف أكثر؟.. كان صعبًا جدًا عليّ أن أرى حولي أشخاصًا سعداء.. قادرين على تغيير حياة الملل والكئابة إلى الأفضل.. وفي قرارة نفسي أقول: متى دوري!؟.. لِمَ لا أستطيع أن أفعل ما فعلوا؟.. لِمَ لستُ قادرة على تخطي ما مررتُ به؟.. ما الذي يجعلني خائرة القِوى عديمة الإحساس بالجرأة على كسر روتين حياتي!!..
لن أطيل كثيرًا.. يا شبيهتي!..
فعلاً لم يكن سهلًا أن أجعل سعادتي بيدي.. كنت دائمًا أنتظر.. حتى تحين تلك اللحظة!.. التي لا أعلم ماهيتها تحديدًا!.. كل ما أعلمه أنها ستكون لحظةً سعيدة!.. تحمل في طياتها كل معالِم الفرح و”السعادة”!..
و – كما تعلمين – النهاية كانت متوَقَعة، حزنٌ واستسلامٌ للألم!.. الانتظار مثل أي شيء آخر، لم يُجْدِ نفعًا.. ماذا عسايَ أن أفعل؟!..
لا أذكر أول مرة تعلّمت فيها ما يعنيه مصطلح comfort zone أو “منطقة الراحة”.. ولكني لن أنساه أبدًا.. إليك يا عزيزتي ما أودّ قوله:
منطقة الراحة هي بمثابة دائرة تحيط بك أينما ذهبتِ ومهما فعلتِ.. بمثابة سورٍ منيع يحميكِ من كل شيء.. أو ربما تظنين ذلك!.. فهي ذاك المكان الذي تحسين فيه بالأمان الحقيقي على المدى القريب.. وغالبًا المزيف على المدى البعيد!..
كم مرةً قلتِ لنفسك: لو أني تجرأتُ على قول ذلك!.. لو أني امتلكتُ القوة الكافية لفعل ذلك!.. لو أني تمكّنتُ من تلك الإرادة الجبارة لصنع ذلك القرار!..
أو.. لو أني أخرجتُ نفسي من دائرة الراحة المَقيتة!..
ما الرابط بين هذا المصطلح وحديثنا عن السعادة؟.. وهل نحن من يقرر السعادة أو الشقاء؟
إنها آية ترددت على مسامعنا كثيرًا.. وحفظناها عن ظهر قلب.. في سورةٍ يدل اسمها على مفعولها!..
“إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ” – سورة الرعد / الآية 11
مِثل عدة دوائر متّحدة المركز، تكبُر شيئًا فشيئًا.. سيكون التغيير.. وبالتالي ستكون قدرة التأثير على التحكم بما يحدث حولنا.. غيّري نفسك، يتغير محيطك (من أسرة وأصدقاء ومعارف)، يتغير مجتمعك، يتغير عالمك!..
وكما يقول الراهب البوذي ماثيو ريكارد في إحدى محادثات TED : “إننا نتعامل مع عقولنا من الصباح وحتى المساء، لذا فهي إما أعز أصدقائنا أو ألد أعدائنا”!..
حقًا.. إن حياتي لهي من صنع أفكاري!.. إن انتظرتُ أن يتغير العالم من تلقاء نفسه.. فلن أزيد نفسي إلا حزنًا وهمًا.. وإن ركزتُ على الجوانب السلبية من حياتي فسأكون السبب الأول والرئيسي لإحباط نفسي وإحاطتها بالتعاسة دون أي مبرر!.. إن عوّلتُ على الآخرين ليُشعِروني بتقدير ذاتي فأنا فعلًا مخطئة.. وإن قارنتُ نفسي بغيري، فلن أشعر بالاطمئنان مطلقًا!..
أتلاحظين؟.. أجملُ لحظات حياتِنا هي تلك التي فعلنا خلالها أشياء لم نتوقّع أن نفعلها من قبل!.. يغمرنا شعور “غريبٌ” بالجرأة والسعادة والإحساس بالثقة بالنفس وتقدير الذات!..
تذكّري قوّةَ الآن!.. بوِسعكِ أن تغيّري اللحظة التي تعيشينها الآن.. دعكِ من حزن الماضي أو قلق المستقبل.. فلستِ قادرة على تغيير شيء منهما!.. أنتِ تملكين الآن.. بكل ما فيه.. قوتك.. وعقلك.. وأفكارك.. تملكين إرادتك.. تملكين الجلوس مع نفسك.. وصنع قرارك!.. وأخيرًا.. تملكين القدرة على الخروج من منطقة الراحة.. والتفكير بأشياء لم تفكري بها من قبل..
كفاكِ تذمّرًا.. ابتسمي.. واصنعي السّعادة!..



