تخيل لو أن شخصا غاليا عليك أهداك ساعة هدية فأصبحت تلك الساعة من أغلى الأشياء عندك ، ولكنك فجأة فقدتها . أصابك نتيجة ذلك حزن شديد وظهر ذلك عليك وكثرت أسئلة من حولك لك عما أصابك . فكنت تجيبهم : لقد فقدت ساعة هي أغلى ماعندي ..
تفاوتت ردودهم اللتي كانت تؤدي لتفاوت رد فعلك عليهم وتفاعلك معهم . دعني أوضح لك أكثر أيها المربي ، فقد يقول لك أحدهم :ولماذا لم تحافظ عليها وتنتبه أكثر طالما هي غالية عليك هكذا ؟ … فلابد وأنك حينما ستسمع لمثل هذا الرد ، ستود لو أن تصرخ في صاحبه قائلا : وما شأنك أنت؟! …. لأن هذا الرد يحمل الكثير من التوبيخ واللوم لك وأنت لست بحاجة لعقاب الألسنة ففقدانك للساعة يعد أكبر لوم وعقاب لك . وتجد آخر يقول لك ردا يحمل الكثير من الشفقة الغير مناسبه مثل :يالك من مسكين ، لابد وأن من اهداك إياها سيحزن… أما الثالث فسيتفاعل معك بطريقة تحمل الكثير من الإستهزاء بمشاعرك وكأن الأمر ليس له قيمة وكأنك توليه أكثر من حجمه وأهميته ، فستجده يقول لك :ولم كل هذا الحزن ، إشتري واحدة غيرها….
في كل الردود السابقة لا شك أنك ستتجنب الحديث مع قائلها أوإكمال وصف مشاعرك وحالتك له . لكن إن كان رد من حولك ردا يحمل تقديرا لمشاعرك ومراعاتها كأن يقول لك :لابد وأنك حزين لفقدانها فقد كانت غالية عليك…. فإنك حينها ستشعر بإمتصاص لبعض حزنك وسترفع رأسك له قائلا نعم ، وستكمل حديثك معه عن الساعة ومهديها والموقف الذي ضاعت فيه .
كذلك عندما تحتاجين يوما لأن تقولي لصديقتك : أنا أكره نفسي وأتمنى أن أموت …. فلو قالت لك صديقتك : ماهذا الجنون الذي تقولينه ، توقفي عن هذا الكلام الفارغ وقومي بصنع شئ لك مفيدا….. أو قامت بإعطاء خطبة طويلة عريضة عن أهمية شكر الله على أن وهبنا الحياة وأن علينا ان لا نقول ذلك أبدا ، فإنك بالطبع في هذة الحالة لن تجيبين عليها بل ستتوقفين لاحقا عن إخبارها عما يجول بداخلك من مشاعر وأحاديث . إن ما كنت تحتاجينه في تلك اللحظة هو أن تقول لك صديقتك : لابد وأنك تشعرين بضيق ما …. أو تقول لك : لابد وأن هذة الحياة صعبة عليك …. أو غيرها من العبارات اللتي تقدر بها مشاعرك وتصف بها إحساسك وشعورك .
إن لتقدير المشاعر أثر كبير في حياتنا نحن الكبار ، فكيف سيكون أثر ذلك التقدير على هؤلاء الأطفال الصغار الذين هم في بداية حياتهم ونموهم العاطفي والإجتماعي . تقدير المشاعر يعني الشعور والإحساس بمشاعر الآخرين وعدم إنكارها سواء كانت مشاعر إيجابية أو سلبية ، مما يشعر صاحبها أننا نفهمه ونقدر إحساسه وإن لم نكن مستوعبين لسبب ودافع تلك المشاعر مما يزيد من الصلة بيننا وبينه ويعلمه تقدير مشاعر الآخرين والإحساس بهم ، فينمي ذلك ذكاؤه العاطفي والإجتماعي .
كما أن تقدير المشاعر السلبية سيؤدي لفهم الدافع من ورائها مما يخفف من حدتها ويحولها لمشاعر إيجابية عندما يهدء صاحبها ويبدأ في إعمال عقله ومنطقه وتفكيره الصحيح . أما عدم تقدير المشاعر والإستهانة بها أو تقليل شأنها سيؤدي لصنع فجوة كبيرة بين المربي والطفل ، وسيجعل الطفل يكبت مشاعره ولا يطلعها المربي مما يجعلها تسيطر عليه وتتحكم في تصرفاته وأفعاله و ستنشأ لديه الكثير من السلوكيات الخاطئة كالكذب أو الخجل أو العدوانية نتيجة ذلك . كما أن عدم تقدير مشاعره سيؤثر على ذكاؤه العاطفي والإجتماعي فلن يشعر بالآخرين أو يهتم بمشاعرهم .
فقد يأتي إبنك إليك يوما قائلا : أنا أكره معلمي وأتمنى أن أقتله!…. فإن عبارة كهذة لها حتما دافع أدى لنشئتها فعبرت عن مشاعر مكنونة داخل الطفل ، وتحدث المشكلة عندما يكون ردك كمربي على الطفل ب : أياك أن تقول ذلك لاحقا ، إن معلمك يحبك ، فلا تجعل الشيطان يدمر العلاقة بينكما …. أو أن تقول له : هل جننت لتقول ذلك ، إذهب وأستغفر ربك على ما قلته…. أو تقول له : من الواضح أنك لم تربى ولم تعرف قيمة المعلم لذلك تقول ما قلته …. فكل تلك الردود لن تعالج المشكلة التي يعاني منها الطفل ، بل ستزيدها سوءا لأنها لم تحل ، كما أنه لن يعيد إخبارك بمشاعره مجددا وسيتركها ليكون المتحكم في تصرفاته إتجاه معلمه هو دافع الكره الذي يزداد بداخله . أما لو كان ردك عليه : لابد وأنك تشعر بالغضب الشديد منه….. أو : لابد وأنه أساء إليك كثيرا….. ومثل تلك العبارات اللتي تصف مشاعر طفلك وتقدرها مهما كانت . ستجد عندها الطفل ينظر إليك وقد هدأ قليلا ممكنا إياك من فتح باب من الحوار معه تتمكن من خلاله معرفه الدافع لهذة المشاعر دون إنكارها وتصل معه لحل لعلاجها . فبإمكانك أن تقول له :لابد وأنك كنت تتمنى أن يعاملك بطريقة أفضل….. أو :مالذي فعله ليجعلك غاضبا أو متضايقا منه بهذة الطريقة؟….
و لكن أياك أيها المربي أن تستعمل الأسئلة اللتي تحتوي على الإتهام المباشر كان تقول له : ما الذي فعلته له ليعاملك هكذا ؟… لأن هذا الإتجاة في الحوار سيحول الحوار من حوار تقدير مشاعر وحوار تربوي تعليمي لحوار محكمة ودفاع عن النفس .
ويذكر العالم النفساني الأمريكي فينزوف ديدسون ، أن هناك طريقة حديثة ذات تأثير فعال في إمتصاص ضيق الطفل وغضبه تقوم على أسس ثلاث رئيسية :
1- إصغاؤك لما يقوله طفلك بإهتمام .
2- محاولتك تشكيل ما يريد أن يعبر به عن نفسه وتحديد المشاعر اللتي بداخله حقا.
3- إعادتك لمشاعره أمامه من خلال التعبيرالخاص به .
وتجمع هذة الثلاث نقاط تقدير المشاعر وأسلوبه الذي علينا إتباعه .
ومن الأمور الهامة جدا في هذا الموضوع أن يتحدث الكبار والمربيون عن مشاعرهم أمام أبناؤهم ، مما يعلم الاطفال التعبير عن المشاعر وعدم كبتها أوإنكارها مهما كانت سلبية .
قد يكون الأمر بالنسبة إلينا كمربين صعب ، لأننا لم نعتد على الحديث عن مشاعرنا أو تقدير مشاعر من حولنا ، لكن الأمر بمعونة من الله سهل ، يحتاج فقط للتدريب المستمر على تقدير المشاعر .
د. آيات فارس أبوالفضل
مستشار أسري وتربوي معتمد دوليا .
photo credit: Bigstock
مواضيع أخري اخترناها لك:




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.