كتبت سارة سليمان:
بدأت مع واحدة كوتشينج سيشن فيما يبدو لي إنها كانت عادية, ولكن السيشن انتهت نهاية مختلفة تماما عن إللي أنا متعودة عليه. المهم.. بدأنا وبدأت هي تتكلم عن شعور بيجيلها, شعورها بالذعر والخوف من حاجة معينة بتواجهها كل مرة بتخرج فيها من البيت!
وهي بتتكلم وبتحكي استشعرت إن كلنا فعلًا ممكن نتحط في مواقف مشابهة جدُّا، ونحس فيها بنفس الأحاسيس بالظبط، وساعتها مش بيهوِّن الموقف ولا بيعديه أكتر من إن الواحد يحس إن هو مش لوحده، وإن فيه حد تاني حاسس بيه.
على عظمة المفهوم ده وعمقه, طِلعْت من الجلسة دي بمفهوم تاني, وهو كيفية تعاملنا مع المشاعر إللي إحنا بنسميها مشاعر سلبية! إيه هي المشاعر السلبية؟ وليه بنسميها كده؟ إحنا بنسمي مشاعر زي الغضب, الحزن, الضيق, الخوف, الاكتئاب (مش هنختلف دلوقتي على الاكتئاب ده شعور ولا إحساس, ده ممكن نسرد له مقالة تانية, هل الاكتئاب ده عارض لشعور ولا هو نفسه شعور؟!) إحنا بنسمي كل المشاعر دي مشاعر سلبية، وده بطبيعة الحال لإنها بتحطنا في حالة سلبية ومؤلمة!
الجزء ده حقيقي ومظبوط، إنما نتيجته هي إللي محتاجة تعديل كتير جدًّا، ونتيجة إننا بنسميها مشاعر سلبية بنتصور إننا محتاجين نتخلص منها, أو محتاجين نخبيها, أو محتاجين ننكرها ونهرب منها.. ليه؟ لإنها سلبية! والمسمى ده مش غلط، لكن مفهومه هو إللي غلط! ولإننا إحنا كبني آدمين صناع معاني (meaning makers) وبنعيش المعاني إللي بنترجمها في عقلنا (the meaning we give is the instinct we live) فبالتالي بنتعامل مع شعور زي الخوف مثلًا, ده المثال إللي حناخده بسبب الجلسة الأخيرة, على إنه شعور لازم نتخلص منه! في حين إن ده افتراض خاطئ تمامًا ومُضِر جدًّا.
هو إيه الخوف؟ وإيه انواعه؟ وليه هو مهم؟ تخيلوا لو كان الإنسان مش بيخاف, كان ممكن يحصلُّه إيه؟
الخوف غريزة ربنا خلقها جوانا, ولو كان الإنسان القديم مش بيخاف ماكانش عاش إلى الآن! لو كان الإنسان القديم شاف حيوان مفترس قدامه وماطلعش يجري لإنه مش بيخاف لكُنّا النهاردة مش موجودين, كان الإنسان انقرض! بالظبط.. إذن الخوف ده وسيلة دفاع هايلة عن النفس.. أنا لما بخاف بجري وبحمي نفسي!! (ده معنى إيجابي تاني لفكرة الجري إللي ممكن نسميه جُبْن وهروب, في حين إنه حفظ للنفس وحماية ليها)!
فيه حد ممكن يخاف على حياته, وفيه حد ممكن يخاف من نظرة الناس ليه, وفيه حد ممكن يخاف من المجهول, يخاف من بكرة.. كلها أنواع عديدة من الخوف! المهم إن كلها مهمة وليها نتيجة على حياة واجتماعيات وأحوال الإنسان! بمعنى آخر، لو الخوف اسمه شعور سلبي فده فقط مُسمّاه، ومش معناه إني المفروض ألغيه أو أهرب منه, بالعكس.. هو مفيد بالنسبالي! طيب أُمّال المفروض أعمل إيه؟!
الخوف مفيد وبيساعدني, لحد ما الخوف ده يكون بيعوقني وبيحد من إمكانياتي! ولو أنا بخاف من مظهري قدام الناس، فبطَّلت أخطلت بيهم وأتعامل معاهم يبقى كده الخوف ده بيعوق علاقاتي. لو أنا بخاف من العربيات، وبالتالي بطَّلت أسوق وكمان بطَّلت أخرج يبقى الخوف ده بيعوق إمكانياتي و بيقيِّدني. لو أنا بخاف من بكرة ومن المجهول، فده قَلَبْ معايا باكتئاب وذعر وعدم شعور بالاطمئنان, يبقى كده أحوالي ادَّمرت وحالتي النفسية اضطربت!
هنا الخوف فعلًا لازم أواجهه, لازم أتعامل معاه! هو في حد ذاته مش غلط ولا سيّء, لكن فِهْمي ليه وتعاملي معاه هو إللي بيئذيني! عشان كده ممكن أتكلم مع حد, أشرحله إللي جوايا, أشرحله أسبابي.. وده إللي عملناه في السيشن إللي فاتت! بعكس ما الحالة كانت معتقدة إني حقولها بطَّلي تخافي (زي ما الدكتورة النفسية إللي كانت بتعالجها نصحتها)، أنا قلتلها: “طب وإيه يعني لما تخافي؟ ما تخافي!”، وكان الانبهار والصمت!
قلتلها: “بالعكس.. خافي, الخوف مهم, اسمحي لنفسك إنك تخافي عشان تعرفي تتعاملي معاه! خافي واستمتعي بتجربة الخوف عشان تتعلمي منها! خافي عشان تكتسبي مهارات جديدة في التغلب على الخوف فتفخري بنفسك! خافي عشان تعرفي تتفوقي عليه إزاي فتعلِّمي ولادك”.
والحمد لله كان هو ده المفتاح! إن أنا مش لازم أهرب, لا بالعكس.. أنا هواجه, أنا هحارب, أنا هتعامل!
مش عايزاكوا تعتقدوا إن الموضوع كليشيهات وكلام في الهوا, لأ طبعًا.. الموضوع محتاج تدريب وتوظيف لمهارات معينة.. أكيد! لكن في النهاية أي سلوك عشان يتعدل محتاج يسبقه تعديل في المفهوم.
وهي دي بداية كل تغيير فينا.. “أنا لو اقتنعت بالتغيير, هنفِّذُه”!
فُتُّكُم بعافية..
سارة سليمان
ميتا كوتش ومدربة علاقات زوجية
مواضيع أخري اخترناها لك:
photo credit: lifeOfPix




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.