كتبت إيمان القدوسي:
ترك قيس لوعة في قلوب المحبين لعدم تتويج قصة حبه العظيمة بالزواج ، يا عيني يا قيس بعد كل هذا الحب لا تتزوج ليلي !
سوف ننتصر له اليوم ونجعله يتزوجها ، نعم هناك ثورات تجتاح العالم لتغيير كل الأوضاع القديمة وتقديم حلول مبتكرة وبديلة وأكثر سخونة وجرأة ، ما الذي حدث إذن عندما تزوج قيس من ليلي ؟
بعد أن هبطت فورة العسل كانت ليلي في المطبخ وهو في آخر الشقة يهتف قائلا ( أنا جعاااان الأكل لسه ؟ ) ترد هي بصوت حاولت أن يكون لطيفا ( حالا يا حبيبي ) ولكن حالة فمها المتراقصة يمينا ويسارا كانت توحي بغير ذلك ، في الحقيقة كانت أنغام صوته نشاز .
علي مائدة الطعام سألها في امتعاض مشيرا لطبق به مادة خضراء لزجة ( سبانخ دي واللا خبيزه ؟ ) فردت هي باستياء ( إيه ؟ مش عاجباك الملوخية ؟ )
بالرغم من كل شئ استمرت الحياة بينهما علي الأقل حتي لا يشمت الناس وحتي ينتصرا لقصة الحب العظيمة ولكن شعورا قويا كان يتسلل لقلب كل منهما أن الأهل كانوا علي حق عندما نصحوا بعدم الزواج لغياب التناسب بينهما ، واستمر الزواج .
في كل يوم كان يتأكد لهما شيئان غاية في الغرابة والتناقض ، أن هناك مشاعر حب حقيقية تجمعهما وأن هناك اختلافا شديدا في الطباع والرؤية للحياة ، كان قراره واضحا أنه لن يفرط يوما في ليلي حبيبته الوحيدة كما أنه سيفرض شخصيته عليها وعلي بيته وهو قادر علي ذلك وكان يفعل ذلك إلا نادرا .
أما هي فقد اتخذت قرارا مختلفا قالت لنفسها ( عليك أن تروضيه وهكذا تفعل كل النساء الماهرة ألم تسمعي عن شهرزاد وقصصها التي سيطرت بها علي شهريار ؟ )
وهكذا ظلا دائما في حالة أخذ ورد وصلح وخصام وإحساس بالهزيمة والانتصار وفي أثناء هذه المبارزة العاطفية جاء الأبناء وتشعبت العلاقات الاجتماعية وتحولت علاقة الزواج من مجرد وثيقة رسمية تتوج علاقة حب إلي مؤسسة اجتماعية كبيرة .
في تلك المؤسسة هناك جانب اقتصادي وعلاقات داخلية وخارجية وإعلامية أيضا ، باختصار هي دولة مصغرة أو مملكة أسرية ، عوامل النجاح فيها لا تتوقف علي الحب فقط وإن كان عنصرا هاما كبذرة للتوافق ولكن النجاح الحقيقي يتوقف علي مدي امتلاك عناصر القوة الفعالة ، ولذلك تجد بيوتا لم تبني علي الحب و إنما مجرد القبول ونجحت نجاحا باهرا في تربية أبناءها وتأسيس علاقات اجتماعية ناجحة مع الأهل والمعارف وتحقيق تنمية اقتصادية للأسرة .
انظر حولك ستجد أنه قد حدث كثيرا أن تزوج قيس من ليلي ولكن ظلت معادلة الزواج الناجح ثابتة (توافق وتناسب وتكافؤ وقيام كل طرف بدوره الصحيح في منظومة الزواج )، ليس معني ذلك أن الحب في ذاته ليس رقما في معادلة الزواج ، فهو رقم صعب ويؤدي لإنتاج أشكال مختلفة من الأسر تتسم بأنها أكثر إبداعا وأقل انتظاما في الحياة التقليدية .
الخلاصة أنك إذا أحببت ثم تزوجت فأنت تنشئ أسرة مبتكرة تجريبية قد تشهد بعض جوانبها نجاحا فائقا ولكنها معرضة أيضا لإخفاقات مأساوية سوف تستمتع بعمق الحب وذروة التفاهم والإشباع ولكنك ستفتقد هدوء البيت التقليدي المرتب جدا والبارد أحيانا ، أما إذا تزوجت ثم أحببت فسوف تنشئ بيتا هادئا تقليديا ورغم أنه يفتقد لسعة الحب المقاوم وروح المغامرة إلا أنه مرشح أكثر للنجاح واستكمال مسيرة البشرية .
مواضيع أخري اخترناها لك:



