أمي… جنتي علي الأرضPosted by on

أمي ... جنتي علي الأرض

 

 

كثيرًا ما تعصف بنا رياح الزمن لتلقينا جانبًا؛ فتارة نستجيب لها، وتارة أخرى ننهض ونكمل طريقنا. وما بين عرقلة ونهوض تتوه خُطانا، ونضل الطريق لنجد أنفسنا أمام مفترق طرق لا نعلم ما الذي جاء بنا إلى هنا؟! ولا ندري إلى أين خُطانا؟!

 

تعصف بنا كثير من الأزمات وتمر بنا ابتلاءات إلّا أن حجم مصائبنا يختلف من شخصٍ لآخر؛ فذاك شخص أصيب بمرضٍ عظيم، وتلك أم باتت مفتورة القلب على فقدان فلذة كبدها، وهذه أخرى حرمها الله من نعمة الإنجاب فباتت شاردة زاهدة متألمة، وذاك ابتلاه الله بنقصٍ في المال، وهذا ساهر ليله متألمًا لسداد دينه، أما هذا فابتُلي بجمود القلب وذهاب العقل! وعلى الرغم من كثرة الابتلاءات وتنوعها، وعلى الرغم من معرفتي يقينًا بأن لله في عباده شئون وأنه لا يثقل عبدًا من عباده هَمًّا إلّا قدر تحمله إلّا أنني لا أرى مصيبة في حياتنا أوقع وأكبر من مصيبة الموت. وبقدر صدقها وواقعيتها يكون ألمها ووجعها. فالدائن غدًا سيقضي دينه، والغائب سيعود، والمريض قادر الله على شفائه، وكل ذي حائج قادر الله على إعطائه حاجته. كل هذا جائز إلّا الشخص الذي يصعد عند ربه فلم تستطيع مهما حاولت وبذلت من جهد أن تعيده إلى الحياة مرة أخرى. حقيقة فقدان شخص قريب لقلبك حقيقة موجعة وصادمة في أنٍ واحد إلّا أنها حقيقة واقعة لا مفر منها.

 

عنما كنت ألهو وأضحك وألعب كنت على يقين بمجيء الدور علي. كنت دائمًا ما أسأل نفسي “أين نصيبي من عثرات الحياة؟”، “بِمَ سوف تبليني أيتها الدنيا الدانية؟”.. لم يكن يقيني هذا تعبطًا، ولكن هي التي باتت تحكي لي ما هي دنيانا وكيف إذا ما أعطت شخصًا شيء يحبه سلبته شيء آخر، إلّا أنني لم أكن لأتخيل مصيبتي بهذا الحجم.. فهو ليس فقدان وحسب، ولكنه فقدان لأغلى وأقرب الأشخاص إلى قلبي.

 

أقف مذهولة مُشتتة عندما يطالبني الغير بتجفيف دموعي! فكيف لها أن تجف وهي التي بفقدانها نادت الملائكة في أهل السماء: “ماتت التي كنا نكرمك من أجلها، اعمل فاليوم تؤجر”؟!. ماتت ومات معها كل معاني الإنسانية والتسامح والرحمة! فهي ليست لي كأم أفتقد وجودها في مشهد حياتي اليومي، ولكنها صرح بكل ما تحمله الكلمة من معنى! صرح من الرحمة، وصرح من الاحتواء، وصرح من الوعي والتفهم. بغيابها عن مشهد حياتي لم أرى إلى يومي هذا ملمح من ملامح الفرحة بدونها. فهذه الدنيا قاسية عند غياب من نحب. فأيامنا التي نحياها لا تقاس بتعدادها، ولكن تقاس بجمال اللحظات مع من أحببنا. هم اللذين يضيفون للحياة معنى ولذة، وليست الحياة هي من تهبنا الفرحة هباءًا. فتلك صورة لنجاحي وهي غائبة، وذلك ليل طويل باهت أجلس فيه بمفردي ولم تكن بجانبي، وهذا فرح أختي التي تمنيته كثيرًا ولم أجدها بجانبي لتكسو أختي بطرحتها وفستانها الأبيض، وتلك لحظة انتقال أخي الصغير من مرحلة دراسية لأخرى وهي غير متواجدة، وهذه ليلة العيد بدونها، وتلك أيام رمضان باتت مؤلمة، وهذا موقف عابر إلّا أنني كنت في احتياج إلى حضنها ليسعني وإلى قلبها ليسمعني فلم أجد شيئًا مما طلبت.. وغيرها وغيرها من المواقف.

 

فكل هذا العالم بضجيجه وزحامه وحدة في غياب من تحب، ولكن عذائنا الوحيد أنها لا تدوم لأحد ولو كانت تدوم لدامت للأنبياء والأولياء والصالحين.

هذه هي دنيانا نأتيها لنرحل ونعيش لكي نموت.. رحم الله جنتي على الأرض وألحقني بها.

 

ندي خالد

 

 

photo credit: bigstock

 

الصالون

اترك تعليقاً