ابني لا يأكل
عجيبة جدًا… أنا أعرف هذا الصغير جدًا ورد فعلي هو الضحك، فالصغير يكاد ينفجر من الصحة والعافية والزون الزائد فلم هذه الشكوى؟ واسأل الأم وأعيد السؤال حتى أتأكد من المعلومة التي تقولها.. و التي تكون في أغلب الأحوال أن الصغير لا يأكل ما تريد هي أن يأكله ولكنه يأكل ما يريده هو. وهذا يعني أن الطفل ليس مصابًا بنقص في الشهية.. ولكنها قصة أخرى مختلفة تمامًا ولنبدأ القصة من الأول:
من أين تبدأ مشكلات التغذية؟
تنشأ هذه المشكلات غالبًا من اندفاع الأم وإصرارها على تغذية طفلها طوال عمره مثل ما كان السنة الأولى في عمر الطفل. ويجب على الأم أن تعرف أن السنة الأولى في عمر الطفل تختلف اختلافًا كليًا عن بقية السنوات، فيكفي أن تعرف الأم أن الطفل في نهاية السنة الأولى يبلغ وزنه ثلاثة أضعاف وزنه عند الولادة ثم يزيد فقط من كيلو ونصف كيلو إلى اثنين كل سنة من السنوات التي تلي السنة الأولى.
وعند معرفة هذه المعلومات يكون سهل على الأم إدراك الاختلاف في كمية ما يتعاطى الصغير من طعام بين السنة الأولى وغيرها. فغالبًا ما تكون وظيفة الصغير في الأشهر الأولى أن يأكل ويشرب وينام.. ولكن بعد ذلك تختلف كثيرًا.
والشهية أيضًا تختلف من طفل لآخر.. فكل صغير يأتي إلى الدنيا بقدر من الشهية يلائم جسده الصغير وبنيانه.
وتولد مع الطفل أيضًا غريزة العناد إذا أرغم على عمل شيء لا يريده.. وغريزة الاشمئزاز من أي طعام لا يعجبه. ولذلك فعندما ترغم الأم الطفل على تناول طعام لا يحبه تنخفض شهيته وقد يفقدها كليًا.
وتبدأ أيضًا مشكلات الشهية بعد مرض الصغير إذ تحاول الأم أن تدفع الطعام في فمه أملاً في أن يستعيد مما فقده من وزنه أثناء المرض بأسرع ما يمكن وقبل عودة شهيته الطبيعية.
واعلمي يا صديقتي الأم أن من نعم الله على الصغير فقدان الشهية أثناء المرض.. وبالذات إذا كان المرض مصحوبًا بارتفاع في درجة الحرارة.. وذلك لأن هضم الطعام نفسه وعملية التمثيل الغذائي ترفع درجة حرارة الطفل حوالي نصف درجة مما يزيد من معاناته.
والله سبحانه وتعالى يعوض الطفل بعد المرض فيسترد الوزن الذي فقده بسرعة شديدة في أيام قليلة جدًا.
ومشكلة نقص شهية الطفل تثير قلق الأم جدًا ويشعر أغلبهن بالذنب وبتأنيب الضمير وهذا القلق والإصرار على إطعام الطفل رغمًا عنه يصيب بنقص في الشهية ناتج عن التوتر والقلق الذي ينقل إليه من أمه.
ولتعلم الأم أن الله سبحانه وتعالى جعل داخل الطفل جهازًا حساسًا يعلمه بمقادير الطعام والأصناف التي يحتاجها جسده ونموه الطبيعي. ومن النادر أن يحدث نقص الشهية المؤقت أي أضرار أو أمراض سوء التغذية مزمنة.
ولكن يا طبيبتي ابني نحيل جدًا!
نحن ننظر في الشرق لأجسام صغارنا بطريقة تختلف اختلافًا كبيرًا عن نظرة العالم المتقدم، وأنا كأم بالرغم من كوني طبيبة كنت أحيانًا أشعر أن صغاري يميلون إلى النحافة حتى فوجئت في أثناء إحدى رحلاتنا إلى الخارج أن مقاساتهم تتناسب تمامًا مع المقاسات العالمية للطفل المثالي، بل وتزيد في بعض الأحيان.
فلا يجب علينا أن ننظر للسمنة وامتلاء البدن على أنهما من علامات الصحة فهذا ليس صحيحًا وهناك أطفال ورثوا النحول عن آبائهم وأمهاتهم ومنذ الصغر لم تبخل عليهم الأم بالطعام، وهم لا يشكون من أي مرض أو توتر عصبي، ومع ذلك يرفضون تناول الطعام بكثرة، وبالذات الأطعمة الدسمة.
ولا تمثل النحافة مشكلة إلا إذا كانت مصحوبة بشعور بالتعب أو الإرهاق وفي هذه الأحوال، وإذا كان التحول مصحوبًا بذبول أو إحساس بالوهن فهو يمثل مشكلة وبالذات إذا بدأ الصغير في فقد مزيد من وزنه، فهنا علينا معرفة السبب والعلاج ويكن علاج الصغير النحيل بطبيعته هو تقديم الطعام بين الوجبات؛ لأنه بطبيعته لا يستطيع أن يكمل وجبة واحدة على أكمل وجه، وفي نفس الوقت هو مستعد للأكل على دفعات قليلة متعددة.
وهناك أطفال أصحاء وشهيتهم جيدة، يأكلون جيدًا ولكن لا يزيدون في الوزن وذلك لارتفاع التمثيل الغذائي عندهم، فالطبيعة شاءت له أن ينمو هكذا.
ومشكلة أخرى قد تؤرق الأم: هي مشكلة الصغير الذي لا يرغب في تناول أصناف جديدة من الطعام ويصر على تناول أصناف معينة فقط، ويرفض مجرد النظر إلى ما هو جديد وعلى الأم في هذه الحالة أن تستمر في تقديم الأصناف التي يفضلها الصغير حتى لو تكررت يوميًا أو أكثر من مرة في اليوم، ومن آن إلى آخر عليها عرض الأنواع الجديدة عليه بصورة عفوية، وبدون التركيز والإصرار على تناوله لها، وبالتدريج سوف يحاول قبول هذه الأصناف.
علينا أن ندع الصغير يأكل الكمية التي يريدها من الصنف الذي يحبه ما دام الطعام مفيدًا ومكتملاً، وعليك أن تتظاهري بأنه لا يعنيك إذا كان قد أكل من هذا الصنف أو ذاك، فالصغير مثل الثعبان يرقب الأم، وفي كثير من الأحيان يريد أن يلعب معها لعبته المفضلة، وهي اختبار قلقها عليه وعلى تناوله الطعام.
وعلى الأم أيضًا أن تقدم للطفل كميات قليلة من الطعام، وألا تجري وراءه في كل حجرة أو في النادي في محاولات مستميتة لإنهاء الكمية كلها، ولتجعله يطلب هو المزيد إذا كان يريد.
طبيبتي… صغيري يصر على قيامي بإطعامه.. ماذا أفعل؟
أن تقوم الأم بإطعام الصغير طبيعي جدًا خلال العام الأول، ولكن إذا استمر إلى العام الثاني أو الثالث فهنا يصبح ظاهرة غير صحية، والطفل الذي يلقي تشجيعًا يبدأ في الاعتماد على نفسه، بل ويكون ذلك ممتعًا له بعد السنة الأولى، ولكن إذا استمرت الأم في إطعامه حتى السنة الثالثة أو الرابعة مع وجود القلق عليه وعلى كمية الطعام فهو يتعود على ذلك، ويألف هذا ويصبح من البديهيات ومن علامات ودلائل الحب والاهتمام، حتى إنها إذا توقفت عن إطعامه يشعر بأنها تهمله، ولا تريده وهذا يؤدي إلى نقص الشهية المؤقت.
كأن يرفض الطفل أن يأكل لمدة ثلاثة أيام أو أكثر، كنوع من عقابه للأم وعادة لا تستطيع الأم تحمل هذا فتعود إلى إطعامه مرة أخرى، وينتصر الصغير في معركة الطعام، ويدرك قوته كطاغية مع إدراكه بضعف الأم نحوه، فيكون هنا نقص الشهية سلاحًا يستعمله وقتما يريد.
والآن: ماذا نفعل قبل استشارة الطبيب؟
أولاً: على الأم تمرين الطفل على إطعام نفسه بنفسه بعد إتمام العام الأول.
ثانيًا: على الأم تعويد الصغير بالتدريج بأن تقدم له الطعام وتتركه وتنسحب من أمامه مع المراقبة من بعيد، وإذا أحجم عن إطعام نفسه فعليها ألا تضعف وتبدأ في إعادة إطعامه ولتتركه لكي يجوع، وسيقوم فورًا بطلب الطعام.
ثالثًا: على الأم عدم اللجوء لأسلوب الرشوة في عرض الطعام على الطفل كوعده بالحلوى أو الخروج إلى النادي، إذا أكمل الطعام كله.
رابعًا: يجب على الأم أن تعلم الصغير احترام وقت الطعام، فلا يصبح وقتًا للهو أو التهريج، ويجب عليها اختصار مدة الطعام فلا تطول إلى ساعات تضيع دون جدوى مقابل بضع ملاعق صغيرة يأكلها دون شهية في مقابل الرشوة.
طبيبتي: صغيري مستمر في أكل الطعام المهروس بعد عامه الأول، والكل ينهرني لذلك، ماذا أفعل؟
استمرار أكل الطعام المهروس بعد العام الأول ظاهرة مؤقتة ولكنها لا تستمر ويجب على الأم أن تصبر عليه، وتزيد من ليونة الطعام بإضافة الشوربة، وبالتدريج سوف يقوم بتقبله وعند وصول الصغير إلى سن الحضانة أو المدرسة سيعرف جيدًا كيف يمضغ ويبتلع الطعام الصلب.
معركة يومية تقابلني مع صغيري أثناء الدراسة ماذا أفعل؟
التغذية السليمة يجب أن نصر عليها، وبالذات أثناء الدراسة فالصغير معرض لضغوط جسمانية تلزمه بالاستيقاظ مبكرًا والنزول مع نسمات الصباح الباردة والتعرض لأطفال آخرين من بيئات مختلفة، كل يأتي إلى المدرسة حاملاً أكشالاً وألوانًا من الميكروبات والفيروسات، ومع الفصول الدراسية المغلقة، وبالذات المكتظة بالأطفال الصغار نجد أن العطسة الواحدة تطلق كميات ضخمة من الميكروبات تقوم بعدوى الجميع (يشبهها البعض بالبخاخة).
ومناعة الصغير مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحالته الغذائية، ولذلك يجب أن تكون عين الأم على أحبائها بالذات مع انتشار ظاهرة الأطعمة الجديدة التي استوردناها من الدول الغربية مثل الهامبورجر، والبطاطس المحمرة، والأطعمة ذات الطابع السريع مثل السوسيس والشيبسي والتي يطلق عليها الأمريكيون (طعام الخرابات) والظاهرة العالمية الآن هي العودة للطعام الصحي.
ويجب عليك يا صديقتي الأم مواجهة هذا التيار الزاحف بحزم شديد، ويجب عليك أن تصري على احتواء طعام صغيرك على مجموعات كثيرة متنوعة من الطعام، ويجب أن يحتوي طعام الطفل على الآتي:
أولاً: الخبز: تصر بعض الأمهات على إعطاء الطفل هذا الساندويتش الممل من الخبز الأبيض غير المفيد، الذي يصيب الأمعاء بالكسل، فهو مصنوع من الدقيق الأبيض الخالي من الردة والأملاح الطبيعية التي يفقدها أثناء عملية التنقية وهو خال من مادة المجانزيوم وفيتامين ب المركب.
ولذا فإصرار الأم على هذا الخبز يحدث للطفل الإمساك ونقص فيتامين ب على عكس الطفل الذي يأكل الخبز الأسمر الذي يحتوي على الردة، وتكون به نسبة من فيتامين ب وهو فيتامين أساسي لعملية التمثيل الغذائي للمواد النشوية، ونقصه يؤدي إلى مشاكل في الهضم وشعور بالضعف والهزال فأحسن خبز نقدمه للصغير هو الخبز الأسمر البلدي التقليدي.
ثانيًا: المواد النشوية والسكريات:
يجب على الأم عدم تعويد الطفل على عدم أخذ كميات كبيرة من السكريات والنشويات والمكرونات والبيتزا والأرز، فهناك بدائل أحسن بكثير مثل العدس والفول والكشري.
ثالثًا: السوائل:
أجمل مشروب يقدم للطفل هو الماء الذي يجب علينا التأكد من وصوله بكميات وفيرة إلى صغارنا، أما المشروبات الغازية والعصائر المعلبة فبها مواد حافظة وسكريات تزيد على احتياج الصغير، واحتواء بعض المشروبات على مادة الكولا تسبب التوتر الشديد بالذات للأطفال دون سن العاشرة وفي البلاد الغربية تعتبر الأمهات المشروبات التي تحتوي على مادة الكولا كالخمر ممنوع على الصغار تناولها..
أما قضية اللبن وشرب اللبن فهو أيضًا معركة يومية بين الأم والصغار.. ولا أنصحك بإعطاء الصغير كوب اللبن التقليدي أثناء الوجبات، فإعطاء اللبن مع الطعام يغلف الطعام بطبقة تلتف حوله وتمنع العصارات الهضمية من الوصول إليه والقيام بعملية الهضم السليمة، فشرب اللبن أثناء الطعام هو وصفة مضمونة لإحداث سوء الهضم والمغص.
والصغير في كثير من الأحيان بغريزته يعرف ذلك، ويصرخ بأن معدته تؤلمه عند شرب اللبن مع الطعام، ولكن من يسمع؟ فالأم تعتقد أن هذه الشكوى هرب من شرب اللبن المفيد، وأحسن ميعاد لشرب اللبن هو في الصباح على معدة خاوية، ومن الأفضل أن يكون دافئًا، وبعد أن يشرب الطفل اللبن تمر فترة يرتدي فيها ملابسه ويستعد للنزول إلى المدرسة، ويتبع ذلك وجبة الإفطار.
ولكن صغيري يرفض كوب اللبن تمامًا..
هذه اليست مصيبة فهناك كثير من البدائل مثل أنواع الجبن والزبادي والمهلبية وأي منتج من منتجات الألبان تقوم بعمل كوب اللبن التقليدي.
رابعًا: البروتينات:
يجب عليك عدم تقديم اللحوم الحمراء بكثرة، ولنعط صغارنا الأسماك والطيور والبروتينات النباتية ويجب أيضًا عدم الإكثار من تناول البيض لاحتوائه على نسبة عالية من مادة الكوليسترول غير المستحب في المستقبل.
والآن عليك اتباع الآتي:
لتنتصري في معركة الطعام بعد معرفة هذه المبادئ.
أولاً: تحاشي كثرة النشويات حتى لا يرهق الجهاز الهضمي.
ثانيًا: تحاشي المجموعات التقليدية والتي تصرين على إعطائها معا، فلا تصري على إعطاء الصغير في كل وجبة بروتينا ودهونًا ونشويات وفاكهة، فهي مجموعات لا يصح أن تجتمع في كل وجبة، ولا يستطيع جهاز الطفل الهضمي تحمل كل هذا مرة واحدة.
ثالثًا: علينا تحاشي إعطاء الصغير السكر والأطعمة التي تحتوي عليه بنسبة عالية، وفي الغرب تعتبر الأم أنك تؤذين صغيرها عند إعطائه الحلوى أو الشيكولاته، وتعويد الطفل على تجنب السكر الكثير في الطعام يبدأ منذ المهد.. فيجب عليك عدم إعطائه أي شيء محلى بالسكر في العام الأول، ويجب أن نعرف أن الصغير البريء هدف إعلاني في المجتمعات الصناعية لمنتجات الحلوى والشيكولاتة، وعلينا إقناع الطفل في الاتجاه المضاد، حتى لا يصبح مدمنًا للإعلان، ويصبح علينا شراء ما شاهده فيه، فكثرة السكر تحدث نقصًا في فيتامين ب، ولذا فكثرة تعاطي الصغير للحلويات تشعره بالخمول وعدم النشاط.. ويبدأ في استعمال مخزون جسده الصغير من هذا الفيتامين ويكون نتيجة هذا عدم التركيز.
أستاذ طب الأطفال
جامعة عين شمس
*جميع الحقوق محفوظة




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.