مع ظهور أي طفح أحمر أو بقع حمراء على الصغير تنزعج الأم وتسأل هل هذه هي الحصبة؟
في موسم الربيع بالذات وهو آت بزهوره الجميلة التي تتفتح يأتي معه بما يذبل زهور حياتنا.. أطفالنا الأحباء، وعادة ما يعود الصغير من المدرسة ومعه ضيف يدخل إلى المنزل رغم أنفنا وهذا الضيف هو مجموعة من الأمراض المعدية ومنها الحصبة وشبيهاتها.
ومن منا كأمهات لم يصب بالحصبة، ومن منا لا تتذكر إغلاق النوافذ والأبواب والثوب الأحمر المُعد للقاء الحصبة والتي يُطلق عليها في الريف لقب «المبروكة».
مرض الحصبة:
يسبب حدوث هذا المرض فيروس صغير الحجم جدًا لا يرى إلا بالميكروسكوب الألكتروني ولكنه يحدث أضرارًا كثيرة، وتتم العدوى بهذا الفيروس عن طريق الهواء المشبع بكميات من الرذاذ المليئة به تمامًا مثل رشاشة الأيروسول أو معطر الجو.
والبخة الواحدة من فم أو أنف الطفل المريض تحمل معها آلاف الفيروسات التي تنتقل بواسطة السعال أو العطس أو الكلام فيصل الفيروس إلى الجهاز التنفسي والفم وملتحمة العين لأي طفل سليم.
وبعد حوالي أربعة أيام يتكاثر الفيروس دون إحداث آية أعراض، ثم ينتشر في الجسد كله وبعد حوالي عشرة أيام من وصول الفيروس إلى الطفل تبدأ الأعراض الأولية للحصبة.
وهذه الأعراض هي:
ارتفاع في درجة الحرارة قد يصل إلى 39 وأربعين درجة مع شعور بالضعف والوهن، مع رفض الطعام وعدم الاهتمام بالاشتراك في اللعب، أو الأنشطة الأخرى المحببة للصغير، وبعد ساعات قليلة تبدأ الأعراض الرئيسية للحصبة، والتي تشبه أعراض البرد الشديد مثل العطس المتواصل، السعال الشديد المتواصل، والاحتقان في العين المصحوب بدموع كثيرة متصلة.
تمتد هذه الأعراض التي لا تستجيب لأي نوع من أنواع العلاج في أربعة أيام تنهك أثناءها قوي الصغير وتفقده الشهية والحيوية وفي اليوم الخامس يظهر طفح أحمر على الوجه يمتد إلى بقية الجسد.
يتميز هذا الطفح أنه عندما نضع أيدينا عليه يحدث له بياض ويزداد هذا الطفح خلف الأذن والجبهة عند منابت الشعر والرقبة ويصل إلى الأطراف بعد حوالي ثلاثة أيام.
وبترتيب ظهور هذا الطفح يبدأ في الاختفاء فجأة، ولكن يترك مكانه لونًا بنيًا مثل لون ردةالعيش البلدي وهذا يميزه عن الأنواع الأخرى من الطفح الجلدي ولنا هذا وقفة بعد معرفة ملامح طفح الحصبة للتفرقة بين هذا المرض السخيف وبين شبيهاته ألا وهي:
أولاً: حمى شوك الورد
هذا مرض فيروسي أيضًا، ولكن الفرق شديد بينه وبين الحصبة.
وتبدأ حمى شوك الورد بحدوث ارتفاع في درجة حرارة الطفل وقد يطول هذا الارتفاع ويمتد إلى حوالي أربعة أيام وأثناء هذه الأيام لا تؤثر أيضًا أية علاجات في درجة الحرارة، ولكن هنا عكس الحصبة، لا توجد أية أعراض أخرى إلى جانب الحرارة، ويكون المظهر العام للصغير عاديًا ويمارس نشاطه، ولا يشعر بالضعف أو الوهن.
وبعد أيام من الحرارة يأتي الفرج في اليوم الرابع أو الخامس بظهور طفح جلدي أحمر شبيه جدًا بطفح الحصبة، ومع ظهور هذا الطفح تنخفض الحرارة فجأة على عكس مرض الحصبة حيث تستمر الحرارة المرتفعة مع ظهور الطفح.
وفي خلال ساعات أو أيام قليلة يختفي هذا الطفح دون أي أثر أو لون.
وهناك أيضًا الحصبة الألمانية أو حصبة الأيام الثلاثة:
وهنا يظهر الطفح الأحمر والذي يشبه طفح الحصبة في اليوم الأول لارتفاع الحرارة، والتي تكون طفيفة، وعادة لا تتعدى 38 درجة، وما يفرق الحصبة الألمانية عن الحصبة العادية علامة مميزة جدًا، وهي تضخم الغدد الليمفاوية وبالذات الموجودة في مؤخرة الرأس وخلف الأذن، وتكون عادة مؤلمة وتسمر عدة أسابيع بعد زوال الطفح الأحمر.
وتأتي الحصبة العادية أو البلدي بمضاعفاتها ألا وهي الإسهال والالتهابات الرئوية وأمراض سوء التغذية.
إذًا عرفنا الآن أن الحصبة ليست دائمًا «مبروكة» وأن ليس كل طفح أحمر حصبة، وهكذا يصبح أساسيًا أن نُطعم الحبيب الغالي ضد الحصبة في سن تسعة أشهر، والجديد الآن هو جرعة تنشيطية من طُعم الحصبة يعطي في سن دخول المدرسة لتنشيط ذاكرة الأطفال المناعية وحمايتهم من شر هذا المرض.
وزائر آخر قديأتي مع الصغير يختلف الطفح فيه عن طفح الحصبة ولكن يختلط الأمر على الأم التي لم تره من قبل، وهذا هو:
مرض الجديري المائي:
أو كما يُقال عليه الجدري الكاذب.
يبدأ هذا المرض بإحساس الصغير بالإرهاق والتعب وعند وعضه في الفراش عادة تلاحظ الأم وجود إحمرار في منطقة البطن على شكل طفح جلدي يشبه قرصة الناموسة أو البرغوث، وبعد ساعات قليلة تنضم إلى هذه البقع مجموعات أخرى، وقد يكون بها سائل شفاف يعلن عن وصول الزائر السخيف غير المرغوب فيه.
لا تنزعجي فالجديري من أمراض الطفولة والتي يعتبرها أطباء الأطفال من الأمراض السهلة، وقد يصاب بها الكبار أيضًا، وعلى مدار السنوات قابلتني حالات كثيرة يشفي الصغير وتنام الأم بعدوى الجديري.
فالجديري قد يحدث من سن الولادة حتى سن الشيخوخة، وهنا أتذكر سؤالاً يتكرر كثيرًا من الأمهات اللائي يوجد لديهن صغار حديثي الولادة لديهم إخوة أكبر فتسأل الأم وهي متأكدة أن الإجابة سوف تكون أن العدوى غير ممكنة في السن الصغير لوجود المناعة الطبيعية.
ولكن للأسف يا صديقتي الأم فأنت لا تعطينه المناعة ضد الجديري مثلما تعطينه المناعة ضد الحصبة أو الغدة النكافية أو الحصبة الألمانية.
والجديري المائي بمشاكله يستمر من أسبوع إلى عشرة أيام، وهو مصحوب بأعراض مقلقة لراحة الصغير، فيشعر الصغير أثناءها بالضعف، وقد يشكو من ارتفاع في درجة الحرارة والبثور الصغيرة تحدث له حكة، ويريد أن يلعب فيها باستمرار ويحكها، وتستمر هذه الأعراض حتى تتقلب كل البثور إلى بثور ذات قشرة.
وفي بعض الأحيان قد تحدث بعض المضاعفات لهذا المرض.. ولكن هناك ميزة كبيرة للإصابة بالجديري المائي، ألا وهي أنه يحدث مرة في العمر، ويؤدي إلى مناعة طبيعية تستمر مدى الحياة.
والآن… ماذا تفعل الأم أثناء كل أنواع الطفح؟
أولاً: طفح الحصبة والحمى الوردية والحصبة الألمانية لا علاج له، ونكتفي ببعض مشتقات الباراسيتامول حتى تهدأ الحرارة مع الراحة التامة في الفراش حتى تزول الأعراض.
ثانيًا: بالنسبة للجديري المائي: الارتفاع في درجة الحرارة عادة يكون طفيفًا ومؤقتًا فنصيحة لك يا صديقتي الأم، هي ألا تعطي أية عقاقير لعلاج الحرارة، أما إذا ارتفعت الحرارة عن 39 درجة فعليك إعطاء أحد مشتقات الباراسيتمول.
ملحوظة: الارتفاع في درجة الحرارة وسيلة من وسائل الجسد للدفاع عن نفسه وهي لا تخيف إذا كانت في حدود المعقول. وأحذرك يا صديقتي الأم من إعطاء الطفل أي منتج من منتجات الأسبرين، ففي أثناء الجديري المائي قد يتفاعل الإسبرين مع الفيروس ويحدث مضاعفات كثيرة منها الفشل الكبدي الحاد.
ثالثًا: على الأم أن تخفف ملابس الصغير وبالذات في فصل الصيف، فكلما استطعنا ترطيب جسد الصغير- وبالذات أول 48 إلى 72 ساعة- فوسف يشعره هذا بالارتياح وعدم الميل إلى الحكة، وتفضل الملابس القطنية الخفيفة، وعلينا أن نتفادى المنتجات الصناعية والصوفية التي تهيج الحكة.
رابعًا: علينا ترك العلاج التقليدي القديم والذي ينص على عدم ابتلال جسد الصغير ولنلجأ للعلاج الجديد وهو حمام يومي للطفل !
نعم يا صديقتي الجدة الغالية حمام يومي، ومن الممكن وضع حوالي نصف فنجان من مادة بيكربونات الصوديوم إلى ماء البانيو الممتلئ قليلاً وهذه المادة لها مفعول السحر في إبطال الحكة، وعليك استعمال فوطة صغيرة وليس لوفة خشنة، ومن الممكن أيضًا أن يكرر الحمام أكثر من مرة في اليوم إذا كان يشعر الصغير بالراحة، مع ملاحظة عدم تعرض الصغير لتيارات الهواء بعد الحمام، حتى لا تنتقل من حفرة إلى حفرة أخرى.
خامسًا: عند ميل الصغير للحكة من الممكن وضع فوطة مبللة بماء بارد على المنطقة لمدة خمس دقائق، ويكرر ذلك عند اللزوم مع مراعات النظافة الكاملة حتى لا تصاب البثور بالعدوى الثانوية مما قد يحدث آثارًا دائمة بالذات في الوجه.
وعلى الأم أيضًا محاولة مساعدة الصغير على تقليل الحكة (وبالذات إذا كان مدركًا) بتوعيته بتفادي هذه العادة حتى لا يحدث تقشير للبثور وتقنعه بأنها تحدث آثارًا دائمة، ولتضع الأم تحت أمر الصغير فوطة مبللة بماء بارد يلجأ إليها عندما يشعر بميل للحكة، مع قص أظافره لعدم حدوث العدوى.
سادسًا: على الأم إعطاء الصغير أحد المنتجات التي بها مضاد لمادة الهيستامين وهي تتميز بتقليل الحكة وبإحداث ميل للنوم مما يسكن الصغير.
سابعًا: من الممكن استعمال أحد مضادات الفيروسات الموضعية مثل الزوفيراكس، وأحد منتجات الجاراميسين إذا احتوت البثور على صديد ناتج من العدوى الثانوية، وعلى الأم أيضًا استعمال لوسيون يحتوي على مادة الكالامينا فهي تعمل على تخدير الجلد موضعيًا وهذا سوف يقلل من الحكة، ولكن توضع الكالامينا على البثور فقط وليس على الجلد كله، وعلى الأم عدم استعمال اللوسيون أكثر من أربعة أيام، وعلينا تفادي استعمال أية مراهم تحتوى على مادة الكورتيزون وهي مراهم تستعمل في حالات الحكة العادية ولكن في حالة الجديري تقلل هذه المراهم من مقاومة الفيروس.
ثامنًا: عليك يا صديقتي الأم تفادي تعرض الصغير للشمس فإنها تزيد من حدة البثور، وإذا كنت تعلمين أن الصغير قد تعرض للعدوى في المدرسة، أو أن هناك عدوى منتشرة فعليك استعمال أي دهان مضاد لأشعة الشمس.
وعند انتهاء مرض الجديري فإن الجلد يظل حساسًا بعد الوقت وتستمر هذه الحساسية لمدة قد تطول إلى عام كامل فعليك استعمال واقي الشمس العام كله.
والآن متى نستشير الطبيب؟
علينا استشارة الطبيب لمرض الحصبة قبل حدوث الطفح، فإن الأعراض سخيفة وكثيرة، وقد تحدث منها مضاعفات، أما مرض الجديري فهو من أمراض الطفولة، والتي تعتبر خفيفة ولكن في بعض الحالات النادرة يُحدث الفيروس إلتهابًا في المخ أو مرض REYE وهو عبارة عن فشل كبدي مع غيبوبة مخية وهذه أمراض فتاكة.
وعليك استشارة الطبيب في الأحوال الآتية:
أولاً: حدوث ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة بعد ظهور القشور في جميع البثور فقد يعني هذا بدء المضاعفات.
ثانيًا: ارتفاع شديد في درجة الحرارة مع صداع شديد وقيء أو تشنجات عصبية وعدم وعي الصغير.
ثالثًا: وجود ألم في أسفل العنق.
ومن الأفضل أيضًا استشارة الطبيب عند وجود التهاب شديد أو احمرار شديد في البثور أو احتوائها على صديد، وهنا يمكن أن يضيف الطبيب المعالج مضادات حيوية.
طبيبتي هل هناك تطعيم ضد الجديري؟
نعم فهناك تطعيم جديد ضد الجديري المائي وهو موجود الآن في مصر ويعطى للأطفال عند بلوغهم سنة وشهرًا ونتائجه مبشرة، وهناك أيضًا بعض مضادات الفيروسات مثل عقار الزوفيراكس والذي يعطي تحت إشراف الطبيب.
أستاذ طب الأطفال
جامعة عين شمس
*جميع الحقوق محفوظة




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.