إنه ارتفاع درجة الحرارة: عرض يتكرر .
وليس هناك طفل لم يشك من هذا العرض مرارًا وتكرارًا.
ولمدة أكثر من خمسة وعشرين عامًا منذ أن أصبحت طبيبة أطفال.. ولا أتذكر أنني أمضيت ليلة نوم كاملة هادئة دون الاستيقاظ على صوت أم ملهوفة تقول إلحقيني يا دكتورة نار.. نار.
فلنفهم أولاً أسباب ارتفاع درجة الحرارة أو السخونة، ولتعلمي يا صديقتي الأم أن أجدادنا القدماء رحبوا كل الترحيب بارتفاع درجة الحرارة على أساس أنها تصرف «الشر» بل وأقدم حكماء العصور الوسطى على رفع درجة حرارة المرضى ببعض الأمراض المستصعبة.
والعلامة الأولى التي ظهرت لعلاج الحرارة، هي هذا القرص الساحر «قرص الأسبرين».
وفي العلم فسر العلماء أسباب ارتفاع درجة الحرارة، ودور ارتفاع درجة الحرارة بالآتي:
عند حدوث غزو لجسم الإنسان بالميكروبات الدقيقة مثل البكتريا والفيروسات يبعث الجسم بكرات الدم البيضاء للهجوم على هذه الميكروبات.. ويبدأ القتال، والذي تكون نتيجته هرومنا يسمى بالانترلوكين والذي يصل إلى المخ ليرفع درجة «ثرموستات المخ».
ونتيجة لرفع درجة الحرارة يعمل جهاز المناعة بكفاءة أكثر للدفاع عن الجسم، ومن فوائد ارتفاع درجة الحرارة أيضًا خفض نسبة الحديد في الوقت الذي يحتاجه الميكروب المهاجم بشدة.
ولذا فإن ارتفاع درجة الحرارة يحرم الميكروب من الغذاء ويضعفه.
والآن وقد عرفنا فوائد درجة الحرارة لا داعي لأن نقلق منها، ويجب أن نعرف أن ارتفاع درجة الحرارة عرض وليس مرضًا في حد ذاته.
وعند ارتفاع درجة الحرارة درجتين فوق الطبيعي أي «39 درجة» يشعر الصغير بالقشعريرة وبدلاً من أن يشعر بالسخونة يشكو من الإحساس بالبرد، ولذا يطلب مزيدًا من الأغطية والملابس.
والآن ماذا تفعلين قبل استشارات الطبيب؟
أولاً: قياس درجة الحرارة
يجب على الأم أولاً معرفة الحدود الطبيعية لدرجة حرارة الصغير.. ودرجة الحرارة ليست ثابتة طوال النهار، ولكنها تصل إلى الحد الأقصى بعد الظهر وفي المساء.. وتصل إلى الحد الأدنى في الصباح.. وميجب على الأم أيضًا معرفة الأشياء التي قد تؤثر على درجة الحرارة مثل المجهود العضلي العنيف وتعاطي الطعام الساخن.
وللحصول على قراءة مضبوطة يجب علينا قياس درجة الحرارة بعد النشاط الرياضي أو بعد الأكل على الأقل بنصف ساعة وأحسن مكان للحصول على قراءة دقيقة هو الشرج ومقياس الحرارة من الشرج يباع في الصيدليات، ويختلف عن الترموتر الفمي قليلاً فهو أقصر وأسمك، وعلى الأم مسح الترمومتر في ا لفزلين الطبي، ثم إدخاله ببطء وحرص دون عنف إلى مسافة 4 سم إلى الداخل وتثبيته لمدة لا تقل عن ثلاث دقائق.
وبالنسبة للطفل الرضيع من الأفضل وضعه على ساقي الأم على بطنه أو وضع الغيار حتى لا يكون قياس الحرارة به ألم أو إزعاج.
أما القياس عن طريق الجلد وبالذات من تحت الإبط فهو غير دقيقة ويتأثر بمؤثرات خارجية.
وعند بداية القرن الحادي والعشرين جاء الوقت لاستعمال هذا النوع الجديد من الترمومترات الذي تم اكتشافه ويوائم التكنولوجيا الحديثه وهو عبارة عن جهاز كمبيوتر صغير يعكس درجة حرارة الجسم ويعطينا قراءة فورية على شاشة واضحة عن طريق أذن الصغير ولكن ما يعيبه هو ارتفاع ثمنه بالذات للأغلبية.
وأما القياس عن طريق الفم فهو غير مستحب للصغار؛ لأنه من الممكن كسر الترمومتر وإصابة الفم بجروح وتتراوح درجة حرارة الطفل السليم بين 26.5 درجة إلى 37 درجة من الشرج وأي ارتفاع في درجة الحرارة هو ما زاد على ذلك.
والآن بعد قراءة درجة الحرارة يجب علينا عمل الآتي قبل استشارة الطبيب.
أولاً: العمل على تبريد حسم الصغير:
وعكس ما تفعل أغلبية الأمهات عند ارتفاع درجة حرارة الصغير فهي تحاول زيادة ملابسه. وزيادة غطائه لتشعره بالدفء لأنها تعتقد أنه بردان من القشعريرة مما قد يحدث أثرًا عكسيًا.
فالملابس الثقيلة تزيد من الارتفاع في درجة الحرارة وقد تصل إلى درجات خطيرة فعليك تخفيف ملابس الصغير حتى لا تكون عبئًا عليه.
ومن الممكن أيضًا تبريد درجة حرارة الحجرة باستعمال المروحة أو جهاز التكييف ولكن لنذحر تيارات الهواء.
ثانيًا: توفير السوائل للصغير فإن الجسم يفقد كثيرًا من السوائل عند ارتفاع درجة الحرارة وهذا عن طريق العرق من الجلد وعن طريق التنفس لزيادة حركة الرئتين وإذا كان الصغير مصابًا بإسهال إلى جانب ارتفاع درجة الحرارة فهذا سوف يزيد من فقد السوائل والأملاح.
وعلى الأم تعويض ما يفقده الصغير بالسوائل الباردة مثل العصائر، وأيضًا الفاكهة الممتلئة بالماء مثل البرتقال والبطيخ البارد ومن الممكن أيضًا إعطاء الصغير الماء أو الشوربة ولكن تعطي الشوربة باردة.
واحذري يا صديقتي الأم من إعطاء كميات أكثر من اللازم فقد يشعر الصغير بالغثيان والميل للقيء، وقد يتقيأ فعلا ويجب عليك تحاشي الشاي ومنتجات الكولا؛ لأن هذه المواد تدر البول وتؤدي إلى فقدان مزيد من السوائل.
أما بالنسب للرضع، فالرضاعة وبالذات لبن الأم ستوفر السوائل اللازمة، ومن الممكن أيضًا إعطاء محلول معالجة الجفاف في حالات الإسهال لتعويض الأملاح المفقودة.
ثالثًا: الحمام الفاتر والكمادات:
اللجوء للحمام الفاتر أحسن من الكمادات بالنسب للأطفال دون سن السنة أشهر، ومزايا الحمام الفاتر أنه يرطب جسد الصغير بالإضافة إلى خفض درجة حرارة جسمه وتقليل التوتر الذي يصاحب الارتفاع في درجة الحرارة، ولتكن درجة حرارة الماء الفاتر من الحنفية ويجب علينا عدم استعمال الماء المثلج الذي من الممكن أن يضر الصغير لأنه سيؤدي إلى القشعريرة والرعشة والتي تتسبب في ارتفاع درجة الحرارة وليس هبوطها، وهذا لأن القشعريرة تحدث خللا في «ثرومستات المخ» فيزيد من درجة الحرارة ومن الممكن استعمال فوطة مبللة بماء فاتر إذا لم يستطع الصغير مغادرة الفراش وتكون بمثابة الكمادات.
طريقة عمل الكمادات الباردة:
من المستحب وضع غطاء بلاستيك تحت الصغير ثم وضع فوطة مبللة معصورة على الجبهة واستعمال فوطة أخرى لتدليك جسم الصغير، ونبدأ بالأيدي ثم الرقبة والوجه وتحت الأبطين ثم الساقين.
وفائدة الكمادات هي أنها تسبب اندفاع الدم إلى سطح الجلد الذي سوف يقوم بتبخير الماء الفاتر ويُشعر الصغير بالراحة، وتكرر العملية باستعمال الفوطة المبللة مرارًا وتكرار المدة حوالي نصف ساعة.
وعلى الأم تحاشي وجود تيار للهواء لأن هذا سوف يضر الصغير.
واحذري يا صديقتي الأم الاستماع إلى نصائح الجدة الحنون، والتي تنصح بكمادات الكحول والكولونيا مثلما كان يتبع في الماضي، وهذا لأن الكحول سوف يؤدي إلى القشعريرة، ومن الممكن أيضًا أن يمتص الجسد الكحول ويحدث تسمم كحولي بالإضافة إلى أن استنشاق أبخرة الكحول يؤدي تنفس الصغير ورئتيه.
وعلينا أيضًا تحاشي استعمال الماء الساخن الذي يحدث أعراضًا مثل ضربة الشمس.
رابعًا: استعمال بعض العقاقير الخاصة بخفض الحرارة
ومن المستحب إذا كان صغيرك لم يبلغ الستة أشهر استشارة الطبيب قبل إعطاء أي دواء مخفض للحرارة.
خامسًا: على الأم تحاشي الآتي:
عدم إرغام الصغير على تناول الطعام وبالذات الطعام الذي يحتاج إلى مجهود في الهضم.
وليست هناك مأكولات ممنوعة أثناء ارتفاع درجة الحرارة مثلما تعتقد بعض الأمهات وتتحاشى إعطاء منتجات الألبان، والبيض واللحوم، فهذا اعتقاد خاطئ قد يضر الصغير.
فالصغير يحتاج إلى طاقة، وقد يكون مصدرها الوحيد هو اللبن أو أحد منتجاته، وعليها أيضًا عدم إرغام الصغير على البقاء في فراشه دون اللزوم، ولتعلم الأم أن الطفل المتعب لن يريد اللعب لأنه لا يستطيع، ولكن في نفس الوقت علينا تحاشي اللعب العنيف أو اللعب خارج المنزل.
والآن وبعد أن تخوض الأم كل هذه الأوليات، متى يجب عليها استشارة الطبيب؟
أولاً: عندما تكون درجة الحرارة مصحوبة ببكاء مستمر، أو توتر وانزعاج.
ثانيًا: إذا كانت الحرارة مصحوبة بفقدان للإدراك والوعي.
ثالثًا: شعور الصغير بألم في منطقة الرقبة أو صعوبة في التنفس بالرغم من خلو الأنف من الالتهابات.
رابعًا: عندما يكون ارتفاع درجة الحرارة مصحوبًا بقيء وإسهال.
خامسًا: استمرار درجة الحرارة في الارتفاع أكثر من ثلاثة أيام.
سادسًا: أن تكون الحرارة مصحوبة بالتشنجات الحرارية.
ما هي التشنجات الحرارية؟
من المناظر التي تخيف الأم بل وتخيف الطفل أكثر حدوث التشنج الحراري وهو عبارة عن تشنجات في الجهاز العصبي تحدث نتيجة للارتفاع السريع في درجة الحرارة، وعادة تحدث في بداية مرض من الأمراض المعدية مثل التهاب اللوزتين.. ويحدث الارتفاع السريع في درجة الحرارة تغييرًا في كهرباء المخ تؤدي إلى إرسال إشارات كهربائية إلى جميع عضرات الجسم مما يؤدي إلى انقباضها المفادجئ السريع المتكرر.
والتشنجات الحرارية تحدث في واحد من كل خمسة وعشرين طفلاً ولكن هناك بعض الصغار لديهم حساسية لحدوث مثل هذه التشنجات ولديهم الاستعداد لاستمرار هذه التشنجات لسنين طويلة.
ولكن.. عند حدوث هذه الحالة.. ما الذي يمكن أن تفعله الأم؟
عند بداية التشنج الحراري علينا أن ندير الطفل إلى أحد جانبيه مع التأكد من تمكينه من التنفس، حتى لا يحدث انسداد للحنجرة نتيجة استنشاق اللعاب أو القيء ثم علينا إزالة الأشياء التي من الممكن أن يرتطم بها الطفل أثناء نوبة التشنج من طريقه.
إذا طالت التشنجات بعد ذلك أكثر من عشر دقائق فإن عليك فورًا اللجوء للطبيب الذي سيقوم بإطاء الصغير أحد منتجات الفاليوم أو الفينوباربيتون. وإنني انصح كل أم يحدث لابنها هذا النوع من التشنجات. بضرور عمل رسم وخريطة للمخ للتأكد من أن هذه التشنجات فعلاً سببها الحرارة وليست بداية لنوبة من نوبات مرض الصرع.
أستاذ طب الأطفال
جامعة عين شمس
*جميع الحقوق محفوظة




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.