الإجهاد
ماما أنا تعبان هذه الكلمات تعتاد أذن الأم على سماعها في نهاية يوم متعب قضاه الصغير في اللعب والنشاط والحيوية، وفي هذه الحالة لا تنزعج الأم ولكن يدق ناقوس الخطر إذا استمعت الأم لهذه الكلمات مع كلمة صباح الخير يا ماما أي عند الاستيقاظ من النوم أو في الطريق لحضور حفلة أو في الطريق إلى النادي هنا نعرف أن هناك شيئًا ما يحدث.
صديقتي الأم… الصغير تحت سن ثلاث سنوات يشعر بالتعب والإرهاق، ولكن لا يعبر عنه مثل الأطفال الأكبر سنًا والفارق هنا أن تعبير الطفل تحت سن ثلاث سنوات عن الإرهاق يتم عن طريق إبداء الزهق أو القلق أوالزنّ، ولا يكون تعبيرًا مباشرًا، وأعراض القلق قبل النوم عادة معروفة لكثير من الأطفال وكأن الصغير لا يريد ترك اللعب، فالمخ يريد أن يلعب، والجسد المرهق لا يستطيع التنفيذ، وهنا ويسبب هذا التناقض يحدث الزن وتبدأ سيمفونية قبل النوم.
وللشكوى من التعب أسباب منها: أن يكون الطفل معتادًا على حياة هادئة خالية من الأصدقاء، وفجأة عند الذهاب إلى المدرسة أو النادي أو تغيير السكن يجتمع الصغير بشلة من الأطفال في غاية الحيوية والنشاط، وهذا جهد لم يعتاد عليه ويحتاج للتسخين لهذا الجهد، مثل الشخص الرياضي قبل الانخراط في رياضته العنيفة ومن منا لم يشعر بالتعب الشديد عند البدء في أي نشاط رياضي بعد شهور من حياة خاملة هادئة، والحل هنا هو إعطاء الطفل بعض الوقت، حتى يعتاد على هذا الإيقاع السريع، ويحتاج الطفل الهادئ المنضم إلى مجموعة جديدة نشطة إلى فترات أطول من الراحة حتى يعتاد جسده على هذا النشاط.
وأحيانًا نحاول كآباء تعويض نقص ما عندنا مثل الأب الذي كان يأمل أن يكون بطلاً في التنس أو كرة القدم مثلا فيقوم بالضغط على ابنه كي يعوضه ما فاته هو فيقسو عليه بفترات طويلة من التمرين، وقد لا يحتمل الصغير كل هذا المجهود بالإضافة إلى مجهود الدراسة وساعات الاستذكار الطويلة فرحمة بأطفالنا فليس كل طفل يحتمل لهذا النشاط الزائد.
والآن: ماذا نفعل قبل استشارة الطبيب؟
أولاً: اعطي طفلك فترات من الراحة الإجبارية.
أحيانًا ننسى أن جسد الصغير ليس آلة فإنه يحتاج إلى فترات من الراحة كي يعوض طاقته المفقودة.
فلنعط الصغار راحة بعد العودة من المدرسة لمدة ساعة للارتخاء قبل الاندماج في طاحونة الاستذكار أو اللعب أو ممارسة الرياضة.
ثانيًا: إدخال بعض التغيير في حياة الصغار.
فقد ينشأ الشعور بالتعب نتيجة للحياة الروتينية المملة، فالشعور بالملل عند الصغار قد ينعكس كإحساس بالتعب، والتغيير يكون عن طريق إدخال مناهج جديدة في حياته، أو هوايات مثل الرسم والتلوين أو الموسيقى، ومن الممكن إشراك الصغار معنا في أنشطة مختلفة تُشعرهم بأهميتهم، مثل المساهمة في إعداد الطعام مع الأم، أو إصلاح بعض الأشياء في المنزل ومن الممكن اصطحاب الصغير لشراء بعض الكتب من المكتبة.
ثالثًا: دعوة بعض الأصدقاء أو الجيران للعب الجماعي مع الصغير وحتى الحديث معه فإن هذا يسعدهم.
رابعًا: يجب علينا منع الصغير من كثرة مشاهدة هذا الجهاز السحري المسمى بالتليفزيون والذي أصبح من موانع الحوار بين أفراد الأسرة، وأتذكر الآن عند لقائي مع مديرة المدرسة الألمانية بالقاهرة أن علمت منها أنها لا تمتلك جهاز تليفزيون وهذا عن قصد، وليس عن عجز، حتى لا يدمن أطفالنا هذا الجهاز، وعلى حد قولها يصبح مدمنًا للشاشة فالإدمان ليس فقط للمخدرات ولكن الإدمان ممكن للإبهار والتسلية.
خامسًا: يجب على الأم تحديد ميعاد نوم الصغير فهو لا يعرف قدر تحمل جسده ولو عليه فهو لا يريد إضاعة أي وقت بالنوم، ويحتاج الطفل الذي يبلغ من عامين إلى ستة أعوام إلى اثنتي عشرة ساعة من النوم، وبين ست إلى تسع سنوات يحتاج إلى حوالي إحدى عشرة ساعة، وعندما يبلغ سن الثانية عشرة يحتاج في المتوسط إلى عشر ساعات، ولكن هناك اختلافات، فبعض الصغار قد يحتاجون إلى ساعات أطوال والآخرون يكتفون بساعات أقل.
سادسًا: على الأم الإصرار على وجبة الأفطار للصغير، والمثل يقول: افطر كملك وليكن غداؤك كأمير، أما العشاء فليكن مثل الشحاذ.
ومن المستحب تطبيق هذا المثل على الصغار فالطفل الذي يجري على المدرسة بدون إفطار سيضعف ويفقد طاقته بالنهار فيجب على الأم الإصرار على أن يتعود صغيرها على تعاطي هذه الوجبة المقدسة وليصبح طعام الإفطار فرصة جميلة للالتقاء بالعائلة ولن يستغرق هذا أكثر من ربع ساعة ومن المستحب أن تحتوي وجبة الإفطار على أحد منتجات الألبان مثل الجبن أو الزبادي.
ومن المستحب أيضًا أن تحتوي على ثمرة من الفاكهة أو بليلة باللبن وهذا الطبق الشهي سهل في تحضيره ويمد الطفل بالطاقة والحيوية.
أما طعم الغداء فليحتوي على ما يحبه الصغير، وليس ما تحب الأم أن يأكله لأن بعض الصغار لا يميلون إلى أكل اللحوم، وتصر الأم، وهذا يصيب الصغير بفقدان للشهية ويترك طعامه دون أن يكمله، فلتسأل الأم الطفل عما يريد أن يأكله حتى لو تتكرر طلبه يوميًا، ما دام يحتوي على قيمته الغذائية الموزنة.
سابعًا: الإقلال من المشروبات الغازية والحلويات وأنواع المأكولات السهلة التي تعطي الصغار طاقة سريعة جدًا ولكنها تعطي شعورًا بالشبع الكاذب السريع، وترفع نسبة السكر في الدم سريعًا مما يزيد من إفراز مادة الأنسولين لكي ينخفض، ويريد الطفل مزيدًا من السكر والحلويات.
ولذا فلنعود الصغير عند شعوره بالجوع ألا يلجأ للحلوى أو المشروبات الغازية ولكن لنضع أمامه الطعام الصحي مثل الفاكهة والخضروات الطازجة، أو حتى الفشار، وهو حبوب الذرة المغذية، ولنقدم لهم الخضروات الطازجة مثل الخس والخيار والجزر في صورة مغرية كتقديم قطع الجزر الصغيرة أو الطماطم في صورة وردة ملفوفة، فسوف يكون هذا مغريًا للصغير بالذات إذا لم توجد أمامه أنواع الطعام الأخرى.
ثامنًا: الفيتامينات السحرية: تعتقد الأم أن إعطاء الصغير ملعقة من الفيتامين أو حبة ستغني عن الغذاء الصحي، ولتعلم أن الفيتامينات مواد يحتاجها الجسم بنسب صغيرة جدًا، ولكن نقصها قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة، وبالذات فيتامين ب6 ومادة الزنك.
وأحسن وسيلة للحصول على هذه المواد هو عن طريق الطعام المتزن الذي يحتوي على الفاكهة والخضروات الطازجة والخبز الأسمر البلدي والبروتينات سواء اللحوم أو الدجاج أو حتى الفول والكشري، وعلى الأم إعطاء الطفل الفيتامين في صورة دواء أو كبسولة إذا لم يحصل على طعام متوازن وعليك التأكد من احتواء الفيتامين على مادة الزنك وفيتامين ب 6 قبل إعطائه للطفل.
تاسعًا: تجنب بعض الأطعمة التي يشعر بعدها الأطفال بالإرهاق، فإن الأطفال يشعرون بالتعب بعد أكل طعام يُحدث لهم حساسية مثل الشيكولاتة أو البيض أو اللبن، أو بعض أنواع الفاكهة مثل المانجو أو الفراولة.
عاشرًا: قد يكون الشعور بالتعب رد فعل لمشكلة نفسية تعتري حياة الطفل مثل خلافه مع الأصدقاء، أو شعوره بالخوف من المدرسة، أو شعوره بالنقص، وفي أحيان كثيرة يقسو الصغار على بعضهم، فلنعط أطفالنا مزيدًا من الوقت، ولنعطهم آذانًا صاغية للتعبير عن مشاكل قد تبدو تافهة للأم أو الأب، ولكنها تعكر صفو حياة الصغير وتفسده.
حادي عشر: أعطي طفلك المثل الأعلى: نجد الصغار أحيانًا يقلدون الكبار فيشتكي الطفل من إحساسه بالصداع وعند سؤاله عما هو الصداع لا يستطيع الإجابة فاستماعه لتأوهات وشكوى الأم والأم تدفعه للتقليد.
والشكوى من الإرهاق أيضًا تحدث صدى لدى الأطفال، فتسمع الطفل الذي يقلده أمه دائمة الشكوى من التعب والإرهاب من شغل المنزل، كلمة «آه أنا تعبانة» ولتحاول الأم ابتلاع شكواها والتغلب على هذا الإرهاق وبمجرد أن يشعر الصغير بنشاط الأم سيبدأ في تقليدها بأن ينشط هو الآخر.
والآن: متى نستشير الطبيب عند الشكوى من التعب أو الإرهاق؟
من الممكن أن تكون الأمراض العضوية موجودة في الصغير وتكون هي المسئولة عن الشعور بالإرهاق والوهن، فالعدوى الكامنة أو أدوار البرد والزكام، أو أنيميا نقص الحديد وبعض الطفيليات المعوية أيضًا مثل ديدادن الدبوسية تشعر الصغير بالإرهاق.
لذا يجب استشارة الطبيب عند الآتي:
أولاً: استمرار الشكوى من التعب بعد أن تزول الأسباب النفسية.
ثانيًا: الخمول والميل للنوم ساعات طويلة أو تكرار ساعات النوم في وسط النهار.؟
ثالثًا: ظهور هالات سوداء تحت العين لم تكن موجودة من قبل.
رابعًا: رائحة كريهة تنبعث من فم الصغير.
خامسًا: الميل للحزن والبكاء، فقد يكون هذا بداية لمرض الاكتئاب العضوي، والاكتئاب عند الأطفال ليس من الأمراض النادرة، ولكن نحن كآباء لا نميل إلى تصديق أعراضه، ونميل للهروب من تشخيص الأمراض النفسية، ولذا فاستمرار أعراض الوهن والإرهاق بعد استثناء الأسباب الأخرى لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر مع قلة النشاط والحيوية ننصح الأم باللجوء إلى الطبيب، وعادة ما يتم تحويل هؤلاء الصغار إلى الطبيب النفسي المتخصص، أنبت الله صغارنا الأعزاء نباتًا حسنًا وجعلهم قرة لأعين الوالدين وبالله التوفيق.
أستاذ طب الأطفال
جامعة عين شمس
*جميع الحقوق محفوظة




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.