الفصل السابع عشر أخاف من الليل يا أميPosted by on

الطفل الذي يخاف أن ينام في الظلام أو وحده

في سكون الليل يرتفع صوت الصغير ويصرخ صرخة مفزعة- تسارع الأم لحجرة الصغير لتجده جالسًا في الفراش ودموع تنهمر من عينيه خائفًا- تنادي على الصغير ولكنه ينظر إليها وكأنها غير موجودة عند الاقتراب منه يبدأ في المقاومة بتحريك الساقين واليدين كأنه في معركة ملاكمة وأحيانًا يحاول مغادرة الفراش ولكن بعد لحظات تنتهي هذه الأزمة ويرجع الصغير في سبات عميق وتهرع الأم إلى التليفون.

طبيبتي… ما هذا؟ هل جن الصغير

اطمئني يا صديقتي الأم فهذا ما نطلق عليه نوبات مخاوف الليل وهذه النوبات تحدث للأطفال وبالذات في أوقات النوم العميق من حلقة النوم، أي بعد حوالي ساعة أو ساعتين من النوم.

وتحدث هذه النوبات حسب تفسير علماء النفس عند النقطة التي يتحول فيها الطفل من النوم العميق إلى النوم الخفيف حيث تحدث الأحلام العادية بالذات إذا كان الصغير مرهقًا أو متعبًا بعد شحنة من ساعات طويلة يقضيها في عذاب لاستذكار والدروس الخصوصية والواجبات الثقيلة وهي سمة من سمات مدارسنا المصرية للأسف.

فجزء من مخ الصغير يبدأ في التحضير للنوم العميق بينما الجزء الآخر يكون متعبًا مرهقًا فيتأخر عنه مما يسبب هذا الاضطراب.

ولتعلمي يا صديقتي الأم أن الصغير أثناء هذه النوبات التي تسمى مخاوف الليل لا يكون مستيقظًا ولكن من شدة الفزع الذي يبدو عليه تتخيل الأم أن صغيرها مدرك وتحاول أن تتحدث معه ولكن تفاجأ بعدم تجاوبه ولتجربي في الصباح أن تسأليه عما حدث أثناء الليل فإنه لن يتذكره.

ومخاوف الليل تختلف عما يسمى بالكابوس أو الحلم المفزع فهنا يرى الصغير رؤيا مخيفة توقظه من النوم وتحدث له اضطرابًا، ويخاف أن يعود للنوم حتى لا يرى هذه الرؤيا مرة ثانية وهنا يكون الطفل مضطربًا ولكن مدركًا لما يحدث، وتحدث الأحلام المفزعة عادة في ساعات الليل المتأخرة أو في الصباح الباكر في النصف الثاني من حلقة النوم.

والآن ماذا تفعلين أثناء نوبات مخاوف الليل؟

يجب عليك ألا تحاولي إيقاظ الصغير أثناء النوبة، فلن تسطيعي ذلك، أما في الصباح فلا تذكري للصغير ما حدث.

وأرجوك لا تتحدثي مع إخوته أو تسمحي لهم بالتحدث معه عن هذه النوبة فبالرغم من عدم إدراك الصغير لما يحدث ولكن عند سرد الأحداث أمامه فإنه ينزعج ويخاف من النوم.

أما إذا تكررت هذه الحالة يوميًا فعلى الأم أن تدخل على الصغير بعد أن ينام بحوالي نصف ساعة وتوقظه برقة وحنان لمدة دقائق قليلة يعود بعدها للنوم مرة أخرى، وذلك لقطع حلقة النوم.

وأهم شيء يجب أن تحرص عليه هو التأكد من حصول الصغير على قدر كاف من الراحة والاسترخاء، ومن الممكن أن تصر على حصول الصغير على فترة راحة لمدة ساعة أو ساعتين في منتصف النهار، ومن الأفضل أن يذهب هؤلاء الصغار للنوم مبكرًا (من الملاحظ أن الأطفال الذين يستيقظون لمدة 12 ساعة متواصلة مجهدة يحدث لهم ما يسمى بإجهاد لجهاز النوم ولذا ينام الصغير بعمق أكثر، مما يمهد لحدوث نوبات الفزع الليلي أو مخاوف الليل).

وعلى الأم أيضًا أن تكثر من الحديث مع الصغير حتى تعرف ما يؤرقه وما يدعوه للأفكار السوداء، وعليها أن تدعوه للتفكير في أشياء جميلة ومبهجة ولتشعري طفلك أيضًا بالأمن والسلام في منزله، ولكن احذري يا صديقتي الأم من دهاء الصغير والذي قد يرى في أحداث الليل بما يأتي له بمغانم كثيرة منها أن يجد الأم بجانبه وهي ملهوفة عليه وتعطيه اهتمامًا زائدًا عن الحد مما يزيد من حدوث هذه النوبات حتى يحظى بهذا العطف والحنان الفياض، فصغارنا أذكياء وبهم دهاء وفي أحيانًا كثيرة يلعبون بمشاعرنا وهذا طبعًا دون إدراك.

مشاكل عدم التركيز

طبيبتي… أجد صغيري سرحانا دائمًا أثناء الاستذكار فهو يجلس أمام الكتاب ثم يسترعى انتباهه أي صوت حوله أو ينظر من الشباك أو يقوم فجأة ليلعب بلعبة ملقاة على الأرض وفي طريق عودته إلى الكتب لا مانع من أن يشاغب أخاه الصغير، لماذا لا يستطيع صغيري إكمال عمله أو التركيز بعض الوقت ومهما حاولت لا أستطيع إجباره على الجلوس لإكمال العمل؟

وقبل استشارة الطبيب عليك بعمل الآتي:

أولاً: الذهاب إلى المدرسرة والالتقاء بمدرسيه فقد تكون هناك مشكلة مع المدرسة أو الزملاء فهذا يشتت انتباهه في الفصل ويمنع تركيزه وإذا أحست الأم بوجود مشكلة فعليها العمل على حلها مع المدرسة والمسئولين في المدرسة.

ثانيًا: على الأم التأكد من قدرة الصغير على السمع ففي بعض الأحيان يختلط عدم مقدرة الصغير على التركيز بعد قدرته على الاستماع وفي بعض الأحيان قد يسمع الطفل ولكنه لا يستطيع ترجمة الكلمات إلى معان وهذا سوف يحتاج إلى علاج ومتابعة.

ثالثًا: البحث عن أسباب عدم التركيز في المنزل، ومحاولة التحدث مع الصغير لمعرفة ماذا إذا كان هناك شيء يضايقه أو إذا كانت هناك مشاكل تحيط به بالذات بين الوالدين، أو توتر أحد الوالدين الشديد، أو الضغط الشديد على الصغير للاستذكار ومقارنته بزملائه وإخوته، فيأتي رد فعل الصغير بالهروب من هذا الضغط بأن يسرح في عالم من الخيال خاص به هو.

رابعًا: محاولة إغراء الطفل للاستذكار بجعل العملية التعليمية ممتعة باستعمال الألوان والصور والمكعبات، ومن الممكن أيضًا اللجوء للموسيقى والأغاني للاستذكار والتعلم ولهذا تجعل الأم من العملية التعليمية عملية ممتعة وليست عذابًا نفسيًا وعقليًا.

خامسًا: على الأم الإقلال من السكريات في طعام الصغير فكثرة الحلويات والمواد المستخلصة من السكر تشتت انتباه الصغير وتفقده القدرة على التركزي ولتزد الأم محتوى الطعام من البروتين بإعطاء الصغير مأكولات مثل الزبادي والبيض والجبن.

ووجد أيضًا أن هناك علاقة بين مشاكل عدم التركيز في الأطفال ونسبة المواد الحافظة المستخدمة في حفظ الأطعمة وبالذات التي تعطي نكهة أو لونًا للطعام. ودور هذه الأطعمة وكيف تؤثر على التركيز، ليس واضحًا حتى الآن، ولكن بالتجربة العملية وجد أن منع الصغير من تناول هذه الأطعمة المحفوظة بكثرة يأتي بثمار جيدة، ويزيد نسبة التركيز.

سادسًا: على الأم التأكد من حصول الصغير على قدر كاف من النوم الهادئ أثناء الليل، واقتراح عليك يا صديقتي الأم أن تعطي صغيرك كوبًا من اللبن أو ساندويتشًا صغيرًا من لحم الدجاج أو الديك الرومي، فهذه الأطعمة تحتوي على نسبة عالية من البروتين الذي يحتوي على حمض التريبتوفان الأميني المعروف بأنه يجلب النعاس، ومن الممكن أيضًا إعطاء الصغير حمامًا دافئًا قبل النوم، ولا مانع من حدوتة صغيرة قبل النوم، مع وجود نور هادئ بالحجرة، ومنع أي توترات.

استشارة الطبيب

يميل الصغير عادة إلى النشاط والحيوية وفي أغلب الأوقات لا يستطيع الاستمرار في عمل شيء واحد لمدة طويلة، ولكن هناك بعض الصغار يتمتعون بنشاط وحيوية زائدة لا يتحملها من حولهم وتسبب هذه الحيوية والحركة الزائدة عدم التركيز ويجب على الأم ملاحظة النقاط الآتية التي إن وجدت ننصحها باللجوء للطبيب:

– ميل الصغير للكلام المستمر بصوت عال مزعج.

– عدم قدرته على الجلوس لمدة أكثر من دقيقة واحدة والميل إلى التغيير المستمر.

– اللعب بأصابع يديه وقدميه طوال الوقت.

– عدم استطاعة انتظار دوره في اللعب أو انتظار ميعاد الطعام.

– الميل للهجوم وإيذاء الآخرين- بالذات الأطفال- وعدم قدرته على اللعب في مجموعة، وفي هذه الحالات فعلى الطبيب التشخيص ومساعدة الأم على العلاج وغالبًا ما يكون العلاج سهلاً مع مراعاة الممنوعات التي تسبب التوتر وعدم التركيز وبالمجهود المشترك بين الأم والطبيب والمدرسة تكلل الجهود بالنكاح التام ويصبح الصغير طبيعيًا في خلال أشهر قليلة.

أخاف من هذا العنف الشديد..

الهجومية والعدوانية

خلال مراحل التطور الطبيعية من سن عامين إلى حوالي أربعة أعوام يمر عدد كبير من الصغار في مرحلة هجومية، ويصبح الضرب والعض من وسائل الاتصال والتعبير، أو وسيلة لإبلاغ الكبار رسالة «أنا غاضب» أو «أنا أريد» ففي هذه المرحلة يعجز كثير من الصغار عن التعبير عما يريدون بالكلام واللغة السليمة، فتكون الوسيلة الوحيدة هي استعمال الأيدي والأرجل والعنف الشديد للتعبير عما يقصدون وتكون هذه الوسائل العنيفة هي وسائل التعبير عن الرغبات المكبوتة الدقيقة، وعلى الرغم من كون هذه المرحلة طبيعية في النمو فإن الاستمرار في هذا السلوك يصبح جزءًا من تكوين الصغار، وتكون المعارك والعنف وسائل للحصول على ما يريد في الحياة عامة.

ولتطمئني يا صديقتي الأم، فالصغير حتمًا سوف يتخلص من هذه المرحلة السخيفة بالتدريج، ولكن تسألين ماذا أفعل خلال هذه المرحلة السخيفة؟ وكيف تمنعين استمرارها حتى لا تصبح سمة من سمات الصغير عندما يكبر.

ماذا تفعل الأم اتجاه نوبات الهجوم؟

أولاً: إذا رأت الأم الصغير يهاجم صديقه أو قريبه فلتتجه ناحية الضحية وتقوم باحتضانه وتطييب خاطره ولتقل له: يا صغيري صديقك لم يقصد إيذاءك ولتبعد الأم الضحية الصغيرة عن ابنها المهاجم وتخرج به بعيدًا.

ما المقصود بهذا السلوك؟

– المقصود هو حرمان المهاجم الصغير من:

1- الاهتمام.

2- الرفيق أو الصديق.

3- منك أنت- أي أمه- وفجأة سيشعر الصغير بزوال المتعة، والوحدة في نفس الوقت، وبتكرار هذا السلوك سيشعر المهاجم الصغير أن الهجوم يسلبه أشياء يحبها وأن الهجوم والعنف ليس من مصلحته إطلاقًا.

ثانيًا: لتضع الأم بعض القوانين الصغيرة وهي:

– نحن لا نضرب ولا نجرح ولا نضر، ومن الممكن أيضًا إذا كان الصغير يبلغ أربعة أعوام أن تزيد أيضًا بعض التفاصيل مثل:

– إذا أردت لعبة فلتطلبها وإذا لم يعطها لك صديقك فلتنتظر.

– ولتكرر الأم وتسمع الصغير مرارًا وتكرارًا بعض العبارات والقوانين المتفق عليها، ضد العنف بالذات، وإذا كانت تراقبه وهو يلعب مع الآخرين وشعرت باقتراب نقطة انفجار العنف، فلتشجع الأم الصغير على التعبير عن غضبه لها، وتنهره إذا استعمل يده للوصول إلى ما يريد، وإذا رأت الأم من سلوك ما يحيط بالصغير سواء إخوته أو أصدقاؤه من يتسم بالاستفزاز اللفظي. فلتتدخل حتى لا ينهار الصغير ذو الطبع الحاد الهجومي ولتفصل الأم بين القوات المتحاربة إذا شعرت باقتراب الهجوم.

ثالثًا: على الأم أن تشجع ولا تؤنب، أي عندما يستجيب الصغير بطريقة مهذبة ويمتنع عن الهجوم لتبارك هذا السلوك وتشيد به بأن تقول مثلاًَ: «كريم عظيم النهاردة» أحمد مؤدب دايمًا، فصغارنا دائمًا يريدون التشجيع، يغمرهم بالسعادة ويحثهم على السلوك الحميد.

ولتكمل الأم الجملة أيضًا فلا تكتفي بالإشادة بأن تقول: «أحمد ولد هايل علشان شارك أخوه اللعبة بدل ما يضربه».

رابعًا: على الأم استخدام أسلوب القصص والسيناريو السينمائي الناجح مع الصغير.

كيف؟ يتعلم المهاجم الصغير أن العنف محدود النجاح جدًا فمن الممكن بالعنف الحصول على اللعبة التي كان يريدها أو يحظى بدور آخر على الأرجوحة ولكن في النهاية سيجد الصغير نفسه وحيدًا بلا أصدقاء، فلنستغل هذا الشعور للوصل إلى السلوك السليم، ولتقصي عليه بعض قصص الصغار الآخرين الذين خسروا أصدقاءهم بسلوك مشابه، والطفل يتعلم بالتكرار، فلتكرري هذه القصة مرارًا.

ومن الممكن تغييرها بتغير الأشخاص وبسؤاله عما يحدث لهم إذا حدث هذا السلوك أمام المدرس أو الناظر في المدرسة، مع الإصرار على إظهار الفشل والنجاح، ولتعلم الأم أن الصغير يتميز بسرعة الفهم والإدراك وعندما يعي أنه سوف يصل إلى مرحلة العقاب عند الخطأ حتمًا سيغير هذا السلوك.

خامسًا: اللجوء للقوة لمنع الهجوم، فهذه وسيلة أخيرة تلجأ لها الأم عندما تلاحظ تكرار الهجوم على الآخرين، وليس القصد بالقوة هنا ضرب الصغير، بل تمسك يده خلف ظهره مثلاً.

وأريد التنويه عن أن استعمال القوة سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن يشعر الصغير أنه هو المعتدي عليه وأن الأم هي المعتدي. ولذلك يثور عليها ولكن في أغلب الأوقات يهدأ وتخمد الثورة داخله.

والله معك ومع المهاجم الصغير.

 

د. نانسي عبد العزيز سليمان

أستاذ طب الأطفال

جامعة عين شمس

 

*جميع الحقوق محفوظة

 

عالج ابنك حتي يصل الطبيب


اترك تعليقاً