قصة الصيادPosted by on


ما هو حجم طموحاتك وقدراتك؟ هل تعتقد أنَّك ستكون رجل أعمال ناجح؟ هل ترى نفسك وأنتَ تمتَلِك شركة كبيرة رائدة في مجال التكنولوجيا الحديثة ـ مثل الكمبيوتر واللاب توب ـ وتقوم بإدارة هذه الشركة بنفسك على أكمل وجه؟ هل تعتقد أنك ستكون طبيب مشهور وجدت الحَلّ والعلاج لأكثر الأمراض تعقيدًا وأخطرها على الإنسان؟.. دعنا عزيزي، نتعرّف على القِصّة التالية، ولنرى ماذا يمكننا أن نحقِّق وكيف يكون ذلك؟..

يُحكى أن صيّادًا كان السمك يعلق بسِنّارته بكثرة، وكان موضع حَسَد بين زملائه الصيّادين. وذات يوم, استشاطوا غضبًا عندما لاحظوا أن الصيّاد المحظوظ يحتفظ بالسمكة الصغيرة،
ويُعيد السمكة الكبيرة إلى البحر.. عندها صرخوا فيه: “ماذا تفعل؟ هل أنت مجنون؟
لماذا ترمي السمكات الكبيرة؟!”، فأجابهم الصيّاد: “لأني أملك مِقلاة صغيرة”.

نحن نرمي بالأفكار الكبيرة، والأحلام الرائعة، والاحتمالات المُمكِنة لنجاحنا خلف أظهرنا على أنها أكبر من عقولنا وإمكانيّاتنا ـ كما هي مِقلاة ذلك الصيّاد ـ هذا الأمر لا ينطبق فقط على النجاح المادي, بل أعتقد أنه ينطبق على مناطق أكثر أهمية. نحن نستطيع أن نحب أكثر مما نتوقَّع, أن نكون أسعد مما نحن عليه، أن نعيش حياتنا بشكلٍ أجمل وأكثر فاعليّة مما نتخيّل. يذكّرنا أحد الكُتَّاب بذلك فيقول: “أنت ما تؤمن به”، لذا عزيزي، فكِّر بشكل أكبر, احلم بشكل أكبر, توقَّع نتائج أكبر, وادع الله أن يعطيك أكثر.

ماذا سيحدث لو رميت بمِقلاتك الصغيرة التي تقيس بها أحلامك، واستبدلتها بواحدة أكبر؟ ماذا سيحدث لو قرَّرت ألّا ترضى بالحصول على أقل مما تريده وتتمنَّاه؟ ماذا سيحدث لو قرَّرت أن حياتك يمكن أن تكون أكثر فاعليّة، وأكثر سعادة مما هي عليه الآن؟ ماذا سيحدث لو قرَّرت أن تقترب من الله أكثر، وتزداد به ثقة وأملًا؟ ماذا سيحدث لو قرَّرت أن تبدأ بذلك من اليوم؟ لو قرَّرت الآن أن تصبح رجل أعمال شهير في المستقبل، لتنهض باقتصاد بلدك، وتكون ما تمنّيت لتصبح طبيب رائد في مجال الطب كما فعل علماؤنا المسلمون.

دعنا لا ننسى عزيزي، حديث قدوتنا ونبّينا محمد -صلّى الله عليه وسلَّم- حيث قال: “إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى”، أي اطلبوا من الله أعلى ما في الجنة وهي الفردوس. فلنتّفق إذن على تغيير مِقلاتنا الصغيرة بأخرى كبيرة، ودعنا نستعد للصيد معًا، ولكن.. لحظة..

ماذا لو بدأنا بالصيد، ولكننا لم نوفَّق في صيد السمك الكبير؟ ماذا لو لم تصطد شيئًا سوى الأسماك الصغيرة فقط؟ هل يجب عليك أن تعيد المِقلاة الكبيرة التي اشتريتها وتستبدلها بالمِقلاة الصغيرة مرّة أخرى؟ هل تتخلَّى عن حُلمك باصطياد الأسماك الكبيرة، أَمّ تظلّ تسعى إلى تحقيق ذلك الحلم؟

واحدة من أهم الحقائق التي وصل إليها علم النفس في عصرنا؛ أن الإنسان لديه القدرة على أن يعيش الحياة التي يريدها هو.. فإذا أردت أن تكون عالِم فضاء، فيمكنك أن تكون كذلك.. ولكن يجب أن يكون ذلك وفقًا لخُطَّة تتضمَّن مجموعة من الخطوات:

الخطوة الأولى: أن يكون لك حُلمًا تعيش من أجله. يجب أن تحلم بما تريد أن تكون عليه.. يجب أن تتخيَّل نفسك وأنتَ تحقِّق أفضل النتائج في الوصول إلى أحلامك وغاياتك.

الخطوة الثانية: أن يُتَرجَم هذا الحلم إلى هدف مُحدَّد المعالم.. هدف يكون هو هَمّك الشاغل صباح مساء حتى تصل إليه وتحقّقه.

بهذه الطريقة ستصل -إن شاء الله- عزيزي، إلى أحلامك وأهدافك.. ولا أعذار في ذلك.. أَلَمّ يولّي رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- الصحابي الجليل (أسامة بن زيد) قائدًا لجيش المسلمين وكان عمره اثنى عشر عامًا! من هذا نستنبط ألّا نحكم على الأمور بالظواهر, فظاهر الأمر أن سِنّه لا يسمح له بتولية جيش كامل, ولكن هناك بواطن للأمور ودواخل أعمق, فبالرغم من سِنّه إلّا أنه كان يمتلك كل مقوّمات القيادة, لذا لا تنظر لنفسك ظاهريًّا فقط, انظر لعمقك, واعلم أن كل شخص بداخله طاقات هائلة, وجِّه طاقاتك لحلمك وحقِّقه.

وتذكَّر أنه كم من المُقعَدين والضعفاء حقَّقوا نجاحات وبطولات مذهلة، وإنجازات رائعة في مجالاتٍ شتّى -فقط- لأن كل هؤلاء كانوا يؤمنون بأحلامهم، ووضعوا لها أهدافًا في سبيل تحقيقها..

إذن فلنعود إلى الصيّاد.. هل سنتركه يكمل صيد الأسماك الصغيرة فقط؟ أَمّ ندعوه ليُغيِّر مِقلاته الصغيرة بأخرى كبيرة؟ وكذلك ندعوه أن يحلم دائمًا بأنه حقَّق أكبر رقم قياسي في اصطياد أكبر الأسماك في هذه البحار؟.. وأخيرًا سنجعله يضع لنفسه هدفًا، وهو أنه سيصل إلى هذه الأسماك الكبيرة مهما تطلَّب الأمر لذلك.. فليُغيِّر البحيرة والسِنّارة، وكذلك أسلوبه في الصيد أملًا أن يصل بذلك إلى أكبر سمكة في البحار، ولا ييأس أبدًا، وليتوكَّل على الله لأنه وحده الرزَّاق الكريم.

ابدأ عزيزي، من الآن، وثِقّ بنفسك وقدراتك، واسعْ صوب حلمك, وتذكَّر دومًا إن نقاط الماء الصغيرة المتتابعة هي التي تستطيع فَلْق الحَجَر, فتابِع بخطوات صغيرة، ولا تتوقَّف أبدًا حتى وإن قابلتك بعض العواقب, تجنَّب بعضها، وواجِه الأخرى، ولكن لا تتخلّى عن حلمك ولا تستسلِم.

أ/ سُميَّة عصام إبراهيم
أخصّائيّة علاج سلوكي ومُدرّبة بناء شخصيّة واستشاري تربوي

 

روقان

اترك تعليقاً