على كل أُم أن تهيّئ نفسها ليوم طلوعها على المعاش في حياة أبنائها.. يومًا ما ستستيقظ لتطلبهم، فيجيبوا باقتضاب: “الحمد لله كويّسين”، فتجيب: “إيه؟.. مشغولين؟”، فيردّوا وهم يقَلِّبون الأوراق: “أيوة، لمّا نفضى هنكَلِّمِك”، فتحاول محاولة بائسة في استجداء بعض الاهتمام في عرض ما تستطيع عمله، أو معرفة أي من تفصيلات حياتهم، ولكنها محاولات تفشل في الأغلب..
تغلق التليفون وتفتح التلفزيون، فتجد أحد أبنائها على شاشته.. يتحَدَّث وتسمعه حتى النهاية، فلا تدري هل تضحك وتفرح أَمْ تبكي؟! تمسك الجرائد فتجد صورة وحديث مع ابن آخر، فتقوم لتصَلّي وتدعو لهم وتبكي كثيرًا. إنهم قد استغنوا عنها تمامًا، ولكنها وحدها تعرف قيمة الدعاء، ولم يعد بيدها شئ تفعله لهم سوي الدعاء.. دون أن تحَدِّثهم.
تعزم في نفسها على ألّا تطلبهم ثانيةً.. مَرّات كثيرة لا تقدر، ولكنها في النهاية تعز عليها نفسها، وتكُفّ عن السؤال ظَنًّا منها أنهم سيشعرون باختفائها ويسألون عنها، ولكن هذا لا يحدث أبدًا! تقَرِّر هجرهم، وبدلًا من مكالمتهم.. تمسك الصور القديمة تقَلِّبُها وتتذَكَّر تلك الأيام التي كانوا يأتون إليها هرولةً، ليجلسوا عند قدميها.. يحكون لها كل صغيرة وكبيرة، وكل كلمة قالوها أو سمعوها بعيدًا عنها، ويتعاركون أيُّهم يتحَدَّث أوّلًا، وأيُّهم يتحَدَّث أكثر بحثًا عن اهتمامها وحُبّها ورعايتها؟ إنهم ينسون أن يسألوها كيف كانت في غيابهم؟ هل تألَّمت؟ هل ضايقها أحد؟ هل لديها مشكلة ما؟ الصغار لا يسألون عن هذه الأشياء، لأنهم يعتقدون أن الأُم دائمًا تعرف كل شئ وتستطيع أن تحِلّ كل المشاكل وحدها.
تظَلّ هذه الأُم في الماضي.. تعلوها الأتربة مع الصور القديمة والذكريات الحميمة، ولكن مع هذه التراكُمات وقِلّة الاهتمام.. تحزن وتسقط مريضة.. عندئِذٍ يأتونها، وحين تعاتبهم تكون الحُجَّة: “لم نُرِد إزعاجك بمشاكلنا، يكفي ما فعلناه ونحن صغار”. ينسى الصغار أنهم حياة الكبار، وحين يشب الصغار يشيب الكبار، فإذا لم يجدوا بديلًا عن صغارهم الذين كبروا فإنهم يموتون، فهي علامة على انتهاء دورهم في هذه الحياة، فهؤلاء الأعِزّاء يرفضون أن يكونوا بلا قيمة، أو أن يكونوا عالة على أحد.
فجأةً يَفيق هؤلاء الصغار الكبار ليجدوا أن كل ما يفعلونه لم يعد له طعم! فبعد أن كانوا يهرولون كل صباح إلى أُمِّهم، ويسعون لإسعادها والحرص على افتخارها بهم، لم يعد لكل هذا مكان إلّا في ذكرياتهم، ولا يدركونه إلّا بعد رحيلها!
على كل أُم أن تفكِّر بمشروعها الخاص الذي يمُدَّها بالحياة، ولا تجعل أبناءها فقط إكسير الحياة الذي تعيش لأجله وتدور في فلكه، فالصغار يكبرون، وسيستغنون عنها حتمًا، وعليها تقبُّل ذلك بصبر الأُم مثلما تتقبَّل كل شئ.. هذه هي سُنّة الحياة!
مهندسة إنجي فودة
رئيس تحرير مجَلّة (من أوروبا البلد)
مواضيع أخري اخترناها لك:
9 أشياء تحتاجين لاضافتها لحياتك
الصورة: bigstock




رائعه ماشاء الله بارك الله فيك
مقال جميل جدا ، ان شاء الله هحرص علي امي اكتر واصدعها بكل مشاكلي
رائع ما شاء الله والله بكيت من اجل نفسي المستقبله وامي الحاليه